وكالات /تسامح نيوز
بخسارته المدوية لانتخابات الثامن من سبتمبر الحالي، يكون آخر حزب إسلامي، أو ذي “مرجعية إسلامية” كما يطيب لحزب العدالة والتنمية المغربي أن يعرّف نفسه، قد غادر كرسيّ السلطة في العالم العربي، مختتماً عشرية كاملة في الحكم، هي ذاتها عشرية “الربيع العربي” وصعود الإسلام السياسي في غير دولة من دول المنطقة… إذ باستثناء “جيب غزة”، لا تخضع أية رقعة عربية اليوم لحكم أحزابٍ من هذه القماشة.
وبسقوطه المُحرج في الانتخابات إيّاها، يكون “العدالة والتنمية” قد عاد كما بدأ قبل ربع قرن، عندما شارك في انتخابات 1997 وحصل على 12 مقعداً في البرلمان الذي تشكل بنتيجتها … اليوم، يحل الحزب ثامناً على لائحة الأحزاب المتأهلة لعضوية البرلمان، وبثلاثة عشر مقعدٍ فقط، بعد أن حل أولاً في انتخابات 2011 (107 مقاعد) وانتخابات 2016 (125 مقعداً).
خسارة الحزب تتخطى في دلالتها الأرقام المجردة التي عرضها وزير الداخلية المغربي، فالنبش في معطيات العملية الانتخابية يكشف عن خسارة قادة الصف الأول كالأمين العام ونائبه ووزراء وقادة كبار في الحزب، لمقاعدهم في دوائرهم الخاصة … والحزب أخلى معاقله التقليدية في مراكز المدن وغيرها لخصومه، ومن سخريات القدر أنه لولا التعديل الذي أدخله خصوم الحزب ومنافسوه على تعريف “القاسم الانتخابي” والذي عدّه الحزب استهدافاً له وتحجيماً لتمثيله، لما أمكن له الحصول حتى على هذا العدد المتواضع للغاية من المقاعد، ولربما كان انضم إلى لائحة “أحزاب الكسور العشرية”.
صدمة الخسارة أخرجت بعض قادة الحزب ومؤيديه المتحمسين عن أطوارهم، وبدأوا بكيل الاتهامات والطعون بنزاهة العملية الانتخابية والاستخدام المفرط للمال السياسي وحملات “الشيطنة” التي تعرض لها مرشحوه، والضغوط التي مارستها “الإدارة” عليهم للانسحاب من السباق الانتخابي، إلى غير ما هناك من “تبريرات” للفشل، تستحضر كل شيء، ولا تقول شيئاً عن مسؤولية الحزب وقيادته عن الهزيمة القاسية التي مُنيّ بها، لكن “المكابرة” و”ركوب الرأس” و”النزعة التبريرية” لم تصمد طويلاً على ما يبدو، بدلالة الاستقالة الجماعية للأمانة العامة للحزب وأمينه العام، غداة إعلان النتائج.
في تفسير الخسارة، يذهب المراقبون والمحللون مذاهب شتى، تبعاً لمرجعياتهم السياسية والفكرية … البعض أطلق صيحات “نهاية الإسلام السياسي” و “ما بعد الإسلام السياسي”، بعضٌ آخر رأى الأمر اعتيادياً في تجارب التناوب على السلطة، إذ يفقد الحزب الحاكم جزءاً هاماً من شعبيته إن هو قضى عقداً كاملاً في السلطة، وتلكم من طبيعة الأشياء، ولا تختص بتيار سياسي – فكري دون غيره… والبعض ذهب بعيداً في سرد أخطاء وخطايا “العدالة والتنمية”، منها اتساع الفجوة بين حزب ينسب لنفسه “طهرانية فائضة” و”منظومة قيمية” لا تتوفر لغيره، في الوقت الذي تتناقض فيه أفعاله مع أقواله، وهنا حديث يطول عن جنوح لمسايرة “الدولة العميقة” في قمع الحراكات الريفية والأصوات المعارضة، فضلاً عن “تقنين القنّب الهندي – الحشيش”، وتعميم “الفرنسية” كلغة تعليم وتكوين، بالإضافة لقرارات وسياسيات “غير شعبية”، وجد الحزب نفسه مرغماً على اتخاذها في سياقات التصحيح الاقتصادي والإصلاح المالي.
لا يتوقف النقد عند هذا الحد، فهناك حديث آخر عن انقسامات داخلية عميقة، سيما بعد التخلي عن زعيم الحزب عبد الإله بن كيران، وجنوح قيادة الحزب لأساليب بيروقراطية -فوقية في إخماد الخلافات والانقسامات داخل الحزب، وفي اختيار مرشحيه لشغل الوظائف العمومية أو خوض الانتخابات العامة على لوائحه.