المقالات

د محمد عثمان عوض الله: تحليل شامل لخطاب البرهان

الخرطوم - تسامح نيوز

د محمد عثمان عوض الله: تحليل شامل لخطاب البرهان

د. محمد عثمان عوض الله.

إستضافني التلفزيون السوداني للتعليق و تحليل خطاب الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة و قد أوضحت أن الخطاب جاء ليؤكد عدة رسائل استراتيجية داخليًا وخارجيًا، معتمدًا على الشرعية القانونية، الأخلاقية، العسكرية، والدبلوماسية لتعزيز موقف الجيش في الحرب ضد قوات الدعم السريع.

الخطاب لم يكن مجرد احتفالية بعيد الفطر، بل إعلان واضح عن المرحلة القادمة من معركة الكرامة و تحديد مستقبل السودان، وهو رفض أي تفاوض أو مساومة مع قوات الدعم السريع، والتأكيد على الاستمرار في الخيار العسكري حتى القضاء التام على من لا يستسلم منها.

د محمد عثمان عوض الله: تحليل شامل لخطاب البرهان

أولا التحليل اللغوي والخطابي

1. لغة التعبئة والتجييش

بدأ الخطاب بآية قرآنية تحث على الدفاع ضد الظلم، مما يضفي دافعاً دينيًا و بعدا أخلاقيا على القتال ضد الدعم السريع المعتدي، ويصور الجيش كطرف يقاتل من أجل العدالة والشرعية.

استخدم عبارات قوية مثل “لن نغفر، لن نساوم، لن نفاوض”، مما يعكس رؤية صفرية لا مجال فيها للحلول الوسط لمن يصر على الاستمرار في ارتكاب الجرائم.

اعتمد على تقسيم ثنائي حاد بين القوة الشرعية وقوى الشر المعتدية، حيث يمثل الجيش والشعب السوداني القوة الوطنية، بينما وُصفت قوات الدعم السريع بـ”المليشيا الإرهابية”.

2. توظيف النصر لتعزيز الشرعية

البرهان استخدم لغة النصر والحسم في خطابه، حيث أكد أن تحرير الخرطوم ليس سوى بداية لتطهير السودان بالكامل من الدعم السريع.

قال بوضوح: “لن تكتمل فرحة النصر إلا بالقضاء على آخر متمرد في آخر بقعة في السودان”، مما يشير إلى استمرار المعارك حتى تحقيق سيطرة كاملة.

3. مخاطبة العاطفة الوطنية

الخطاب يحمل بعدًا وجدانيًا قويًا، حيث خاطب النازحين والأمهات الثكالى والأطفال الأيتام ليؤكد أن الجيش يقاتل من أجل الشعب.

شكر الشعب على دعمه للقوات المسلحة، في تأكيد لتعزيز الالتفاف الشعبي حول الجيش باعتباره المؤسسة الوطنية الوحيدة القادرة على حماية السودان.

ثانيا التحليل السياسي والعسكري

1. تعزيز شرعية القوات المسلحة وفق القانون الدولي.

باعتراف المجتمع الدولي، الجيش السوداني هو القوة الشرعية الوحيدة، بينما صنفت قوات الدعم السريع كمليشيا غير شرعية.

هذا يمنح البرهان تفويضًا قانونيًا دوليًا للقضاء على الدعم السريع دون الحاجة إلى مفاوضات، وهو ما يبرر تمسكه بالخيار الصفري.

2. الخيار الصفري مدعومًا بالاتهامات الدولية ضد الدعم السريع

تصنيف الولايات المتحدة للدعم السريع كقوة ترتكب جرائم حرب وإبادة جماعية في دارفور يمنح البرهان غطاءً دوليًا لرفض أي حل سياسي معها.

الخطاب ينسجم مع هذه الرؤية، حيث أكد البرهان أن “طريق السلام ممكن فقط إذا وضعت المليشيا السلاح”، وهو ما يعني الاستسلام الكامل أو استمرار الجيش في أداء و استكمال واجبه الدستوري بتحرير ارضه و الدفاع عن الضحايا.

3. الشرعية العسكرية وانعكاسها على قيادة السودان

الانتصارات الأخيرة للجيش، خاصة في الخرطوم، تعزز موقف البرهان كـالقائد الشرعي للدولة، مما يقضي تماما على احتمالية أي استجابة دولية لدعوات القوى السياسية الموالية للمليشيا لتشكيل حكومة موازية.

استخدامه لعبارات مثل “الجيش هو الشعب، والشعب هو الجيش” يؤكد أن الشعب هو مصدر شرعيته و شرعية الجيش نفسه، مما يجعله الزعيم الفعلي للمرحلة الانتصار حتى نهاية الفترة الانتقالية.

4. استقطاب القبائل والمجموعات المسلحة

أشار البرهان إلى دور المقاتلين في شمال دارفور وكردفان، في محاولة لطمأنه الضحايا والنازحين و المحاصرين في تلك المناطق بان الجيش قادم لا محالة لتحريرهم و خلاصهم من ويلات المليشيا الارهابية.

دعا سكان المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع إلى التوقف عن دعمه، في محاولة لقطع أي إمدادات بشرية أو لوجستية قد تصله.

5. محاولة استمالة العناصر المنشقّة عن الدعم السريع
رغم اللغة الحادة.

ترك البرهان باب العفو مفتوحًا لمن يريد الاستسلام من عناصر الدعم السريع، مما يشير إلى استراتيجية فتح باب التوبة و الخلاص لمن غررت بهم المليشيا و استغلت ظروفهم. أو حتى مجرد محاولة لتفكيك المليشيا من الداخل عبر استقطاب المنشقين.

ثالثا التحليل الدبلوماسي وتأثيره على العلاقات الدولية

 

1. شكره للدول الصديقة يعكس رضاءه لما حققه من علاقات دولية مع بعض الدول.

خاصةوأن الثقل الاقتصادي و المصالح الدولية للأمارات يدل على أن هذا المجهود شاق و صعب.
البرهان شكر الدول والمنظمات التي دعمت الجيش السوداني، مما يشير إلى أنه يحظى بدعم إقليمي قوي، خاصة من مصر والسعودية و دول أخرى.

تجاهله لذكر الولايات المتحدة قد يكون إشارة إلى أن دعمه الدولي يأتي بشكل أساسي من الحلفاء الإقليميين وليس القوى الغربية.

هذا الدعم يعزز موقفه السياسي والعسكري، لأنه يعني أن الجيش لن يواجه عزلة دولية حتى مع استمرار الحرب.

د محمد عثمان عوض الله: تحليل شامل لخطاب البرهان

2. عدم الإشارة إلى المبادرات الإفريقية والدولية لحل الأزمة.

غياب أي ذكر لجهود الاتحاد الإفريقي أو الوسطاء الدوليين يوحي بأن البرهان يركز على مصالحه و نقاط قوته و أنه تجاوز المنظمات المحلية ولا يضيع معها زمنا مالم تدعم استراتيجته و شرعيته.

هذا يعزز موقفه في رفض أي مبادرات للحوار تقودها قوى متهمة بانحيازها للمليشيا، ويؤكد أنه يراهن على الجهود الوطنية سوا عبر الحسم العسكري أو السياسي بالشروط الوطنية.

3. كيف يؤثر هذا الخطاب على مستقبل العلاقات الخارجية؟

مع الدول العربية:

مصر والسعودية ستواصلان دعمه، خاصة إذا تمكن من تحقيق مكاسب عسكرية إضافية.

قد يحصل على دعم مالي ولوجستي لإعادة بناء المناطق المحررة.

مع الولايات المتحدة وأوروبا:

قد يواجه ضغوطًا دبلوماسية لوقف الحرب، لكنه سيستخدم تصنيف الدعم السريع كمجرمي حرب لتبرير استمرار القتال. كما يوظف شعبيته وانتصاراته لتعزيز شرعيته و لفرض الارادة الوطنية.

إذا استمر في تحقيق الانتصارات، فقد يضطر الغرب إلى التعامل معه كأمر واقع، حتى لو لم يكن الخيار المفضل لديهم.

مع الاتحاد الإفريقي:

قد يحاول الضغط عليه للعودة إلى طاولة المفاوضات، لكنه من الواضح أنه لن يستجيب في الوقت الحالي مالم يتبنى الاتحاد الافريقي الرؤية الوطنية السودانية و مالم يحترم شرعية و سيادة الوطنية.

رابعا خلاصة التحليل: ماذا يعني هذا الخطاب؟

1. تأكيد النهج العسكري وعدم التفاوض.

البرهان يرفض أي حل سياسي مع الدعم السريع دون الاستسلام، ويؤكد أن الحسم العسكري هو الطريق الوحيد مع من مايزال يرفع السلاح.

الخطاب يعزز شرعية العمليات العسكرية، سواء أمام الشعب السوداني أو أمام المجتمع الدولي.

2. تعزيز شرعية قيادته للسودان.

بانتصارات الجيش والتفاف الشعب حوله، بات البرهان القائد الفعلي للمرحلة القادمة.

الخطاب جاء متزامنا مع الإنتصارات التي وضعت البرهان كزعيم وطني يقود السودان نحو الاستقرار بعد الحرب.

3. التأكيد على الدعم الدولي وعدم العزلة.

البرهان يريد إرسال رسالة بأن السودان ليس معزولًا دوليًا، وأن لديه حلفاء مستعدين لدعمه في الحرب وإعادة الإعمار.

هذا قد يمنحه غطاءً سياسيًا لاستمرار العمليات العسكرية وأنه قد تجاوز مرحلة التهديد بالعقوبات أو التدخل الدولي أو التشكيك أو الاشاعات حول المجاعة أو تشكيل حكومة موازية.

4. توقعات مستقبلية.

تصعيد عسكري مستمر: الجيش سيواصل حملته ضد الدعم السريع، خاصة في دارفور و كردفان لتحريرها و انقاذ المواطنين الضحايا الابرياء.

لا تفاوض في المدى القريب: البرهان أوضح أنه لن يقبل بأي حل سياسي دون الاستسلام، قبل القضاء على الدعم السريع.
مزيد من الدعم الإقليمي: مصر والسعودية قد تزيدان دعم الجيش، خاصة مع تحسن موقفه العسكري والسياسي و الاجتماعي و الاعلامي و تحسن الأداء التنفيذي للحكومة.

إعادة ترتيب المشهد السياسي: إذا حسم الجيش الحرب، سيتحول البرهان إلى بطل قومي يتمتع بشرعية القائد الذي انتصر على غزو خارجي الذي انقذ شعبه من مشروع التسلط الدولي و استخدام الجريمة كرت للضغط والمساومة القائد الذي وحد شعبه حول رؤية وطنية محددة، كل ذلك يؤهله لقيادة الفترة الانتقالية لتحقيق اهداف محددة و برنامج محدد.

النتيجة العامة:

الخطاب هو إعلان رسمي باستمرار معركة الكرامة حتى تحرير كل شبر من السودان، وتعزيز شرعية الجيش كقوة منتصرة التف خلفها الشعب وهي بذلك قادرة على قيادة السودان بعد الانتصار على المليشيا، خلال فترة انتقالية محددة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى