أخبار

لواء ركن (م) د. يونس محمود: قراءة في خطة المليشيا للسيطرة على العاصمة (2_ 2)  

متابعات -تسامح نيوز

لواء ركن (م) د. يونس محمود: قراءة في خطة المليشيا للسيطرة على العاصمة (2_ 2)

لواء ركن (م) د. يونس محمود

أجملنا في المقال السابق عديد المليشيا وعُددها، وتجهيزاتها وإنفتاحها للسيطرة على العاصمة السودانية الخرطوم، وللإجابة على السؤال كيف فشلت الخطّة برغم ما تهيأ لها من أسباب وتمهيدات .

 

وتربّص وإعداد المسرح بكامل ما تقتضيه ( الرواية ) لإقناع المتفرّجين بأنَّ هذا العمل شرعي ومسنود سياسيًا ودبلوماسيًا من أجل إزاحة العقبة ( الجيش ) عن طريق إلتحاق السودان بركب العالم الخارجي وفق منظور الإتفاق الإطاري.

لواء ركن (م) د. يونس محمود: قراءة في خطة المليشيا للسيطرة على العاصمة (2_ 2)

لتأتي الإجابة بأنَّ خطة السيطرة لم تفشل لأسبابها الذاتية، بل لنجاح الجيش في تحطيمها، وإرباكها، وإستنزافها بالإستدراج الإستراتيجي، والخداع ، وبالإفادة من سمات وخصائص تعبئة الجنجويد في إدارة القتال التعاقبي .

والإستنجاد بالفزع، فضلًا عن الملل الذي يعتريهم بطوال البقاء، فهم قومٌ ( سيالة ). الجيش كان يقاتل لوحده في ذلك التوقيت، أغسطس 2023م حيثٌ كانت قوّات المُشتركة في الحياد، والإستنفار لم يبلغ معشار مداه، غير إلتحام فئة من المتقاعدين من الضبّاط والجنود والمجاهدين من أهل السبق في الدفاع الشعبي ( طيّب الذكر وعطر السيرة ) .

 

ولذلك عكف الجيش على توظيف ما تيسّر له في تلك المرحلة، فأحسن توظيف نيران المدفعيات سيما بعيدة المدى، ومرابطها في كرري، وحمم أفواهها حيثُما أشار حكمدار المدفع وفق الإحداثيات.

لواء ركن (م) د. يونس محمود: قراءة في خطة المليشيا للسيطرة على العاصمة (2_ 2)

وكذلك الطيران المسيّر الذي حلّق بدراية مشغّليه من الشباب، وإحدث أفدح ما لاقته المليشيا من خسائر، حيثُ لا يغني عنه التخفّي والتستّر. أمّا القادة الأصاغر وهم الرُتب ( نقيب فما دون ) فكان لجرأتهم وتنفيذهم أعمال قتالية نوعية خلف خطوط العدو، ومن خلاله بين أرتاله، الأمر الذي حدّ من الحركة والمناورة لديهم، ومكّن الجيش من الحشد والإستعواض والدعم .

 

حيثُ أدّى جهاز المخابرات أداءًا رفيعًا في تعيين الثغرات وتصفية القيادات، وتدمير المخزونات من الذخائر والمؤن، وكشف خططهم وإجهاض تحرّكاتهم حتى إعتراهم الشك، وبذر الفتنة بين صفوفهم

 

وكان للحرب الإلكترونية دورٌ رائع في التنصّت وتحديد منصّات المسيّرات و التشويش ومكامن القنص، وتحرّكات القادة، وهكذا إرتفعت وتيرة الأداء العسكري القتالي للجيش في مقابل إنخفاض وتراجع لأداء المليشيا مع إعتبار التدفقات البشرية الهائلة التي تلت هذه الفترة، حيثُ إنسلت عبر الحدود الشمالية من ليبيا، والغربية من تشاد وأفريقيا الوسطى، والجنوبية من دولة جنوب السودان .

 

والشرقية من أثيوبيا، وعبر الفضاء المفتوح تدفّق المرتزقة من كولومبيا، والإمارات، وفاغنر، وكُل ذلك يصبُّ في أوعية المليشيا، إما بالقتال المساند، أو بإشاعة الفوضى في بيئة القتال وتهجير المواطنين والإعتداء عليهم، مما يشكّل ضغطًا رهيبًا على الجيش وقيادته، ويحمّله على إتخاذ خطواتٍ غير محسوبة يدفعُ ثمنها موقفًا في الميدان.

ولكن صِفة الثبات المتجزّرة في الأداء العسكري الإحترافي تجاوزت بهدوء هذه العوارض ومضت إلى ما هو أبعد مدى وأكثر تأثيرًا فكانت ملحمة خروج القائد البرهان من القيادة العامّة المحاصرة كُليًا، ويقفُ عبد الرحيم دقلو شخصيًا على قوّة الحصار ليقبض على برهان ويسلّمه للسيد القائد ( حميدتي ) كما قال .

 

فتسرّب البرهان من بين صفوفه وغفلته ومن بعدها خروج وزير الدفاع بذات الطريقة ليمارسا واجبات القيادة في ظرفٍ أفضل وقد كان بحمد الله.

 

هُنا تصاعدت معدّلات الخسائر في المليشيا والله وحده يعلم كم ضمّت أرض الخرطوم الصمّاء من أجداث الجنجويد، وكذلك زادت معدّلات الجرحى والمعاقين وأعباء الإخلاء والعلاج، فإنتشر هاجس الرُعب بينهم، فتسرّب كثيرٌ منهم بليلٍ ونجى بنفسه خاصّةً من عموم القبائل وليست من خواصها الذين تربطهم حبال القربى ووحدة الحِلة والفريق.

كذلك كان لخروج المليشيا إلى الولايات وما تبعها من الشفشافة لممارسة النهب برغم مظهره الكاذب أنه توسيع لرقاع السيطرة والنفوذ لكنّه في الحقيقة ( العسكرية ) إضعاف لمركز القوة، وبعثرة التجمّعات إلى قوّات معزولة يُمكن التعامل معها وتحطيمها .

 

وقد كان ذلك بالفعل إذ بدأ إنتقاصها من الأطراف في جبل موية، والدندر، والسوكي، وبدت مسيرة ( العريد ) حتى الصالحة كإعلان ولاية الخرطوم خالية تمامًا من الجنجويد.

 

نعم أولئك المئة ألف أو يزيدون لم يُحس منهم من أحد أو يُسمع له ركزًا، وآلاف السيارات التي كانت لا يخلو منها طريق ولا بيت ولا مسجد أصبحت خاليةً كأنّها لم تغن بالأمس، وعشرات آلاف المتعاونين والشفشافة إنطووا في الخفاء .

 

وغيّروا ألوان جلودهم في تقمّص لأدوار الحرباء. هناك مخاطرٌ محتملة لا تغيب عن وعي وإدارك القيادات وهي محاولات التجميع والترقيع لما تبقّى من القوة المهزومة المنسحبة بغرض إعادة الكرّة وتحقيق بعض المكاسب، خاصّةً إذا كانت طرق الإنسحاب إلى واحدة من دُول الجوار القريب مثل أثيوبيا وجنوب السودان .

 

فكلا الدولتين لا تؤمنُ بوثائقهما مما يستوجب الفحص الإستخباري الدقيق والحذر.

 

إنّ إفشال هذه الخطّة الكبيرة الخطيرة الطموحة وبرغم ما دفعته القوّات المسلّحة ومن إلتحق بها من المشتركة، وزمر المجاهدين، والعمليات، والشُرطة، لهو ثمنٌ واجب، ومهرٌ لازم لنجاة وطن بأكمله، كان يُمكن أن يقع فريسةً للمشروع الصهيو إماراتي وما يتبع ذلك من تغريبٍ حقيقي لأهله، وتوطين غيرهم، وسحل الإسلاميين، والوطنيين كافة بدعوى الفلول .

 

وإستغلال الأرض والموارد بما يُشبه الإستعمار، بمعنى وقت ما يقع السودان يقع في قيد ( الإمارات ) غدّة كغدّة البعير وموتٌ في بيت سلولية، كما قال عمرو بن معدي كرب يندبُ حظّه وقد دعى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

نجاة الخرطوم هى مشروعات تفكّر، وموضوعات توثيق، وإلهام إبداع للشعراء، والرسامين، والأُدباء، ومواسم خصب لإستزراع الحكايات المخلّدة لبطولات الجيش، وفدائية رجاله، وصبر الشعب، وعنفوانه ضد الخضوع والإنكسار.

 

{وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى