
أحمد حسن الفادني: مشروع السوكي الزراعي (بين الواقع والمأمول)
بقلم : أحمد حسن الفادني
مواصلة لسلسلة المقالات الاقتصادية و الخاصة بالمشروعات الزراعية الاستراتيجية بالبلاد فإننا اليوم نطرق بابا جديدا لمشروع مهم جدا ورافد اقتصادي يصب في نهر الاقتصاد القومي ، فمعروف لدينا ان اقتصادنا مبني على ثلاثة اضلاع رئيسية (الزراعة، الثروة الحيوانية، التعدين) فنحن الان لم ننتهي من الضلع الأول، فاليوم نتحدث عن مشروع السوكي الزراعي من خلال رؤية اقتصادية تشخيصية وتقديم حلول استراتيجية للمشروع ،
حيث يمثل مشروع السوكي الزراعي أحد أبرز المشروعات الزراعية القومية في السودان، التي كان من المفترض أن تسهم بفعالية في تحقيق الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية المتوازنة. غير أن هذا المشروع، ورغم الإمكانات الطبيعية الكبيرة التي يتمتع بها، لم يحقق أهدافه المنشودة نتيجة لعقبات متراكمة وظروف اقتصادية وإدارية وفنية أثرت على مسيرته و استدامته.
لكي نخوض فيه لابد ان نتعرف على المشروع من خلال الاتي :
أولا: النشأة والأهداف:
تم إنشاء مشروع السوكي الزراعي في عام 1970. ضمن الخطة القومية لتوسيع الرقعة الزراعية المروية في السودان، ويقع المشروع في ولاية سنار، على الضفة الشرقية لنهر النيل الأزرق. يمتد المشروع على مساحة تقارب 147,000 فدان، ويعتمد على الري الانسيابي من خزان الروصيرص عبر ترعة رئيسية.
الأهداف الأساسية لإنشاء المشروع:
1. استغلال مياه خزان الروصيرص لري الأراضي الزراعية.
2. توطين المجتمعات المحلية ومكافحة الفقر عبر توفير فرص عمل زراعية.
3. إنتاج محاصيل نقدية واستراتيجية مثل القطن، الذرة، الفول السوداني، والخضروات.
4. دعم الاقتصاد الوطني من خلال الصادرات الزراعية وتحقيق الأمن الغذائي الداخلي.
ثانيا: العقبات والتحديات التاريخية:
رغم البداية الطموحة للمشروع، فقد واجه منذ الثمانينات عقبات بنيوية وهيكلية ومازلت مستمرة تتمثل في :
1. ضعف البنية التحتية للري: وذلك بسب تعطل الترع الرئيسية والفرعية وعدم الصيانة الدورية لها.
2. تعقيدات التمويل والضمانات: حيث اعتماد المزارعين على التمويل البنكي وتحويلة بدلا من الزراعة الى التجارة او الكسر في السوق ، مما أدى إلى تراكم الديون وانخفاض الإنتاجية الكلية للمشروع وانعدامها في بعض الاحيان.
3. الإدارة المركزية المعقدة:تداخل في الصلاحيات بين وزارة الزراعة والجهات المحلية وضعف التنسيق وغيابه في سلسلة الدورة الاقتصادية.
4. الهجرة من الريف: أدى تدهور الخدمات الاساسية ، وعدم جدوى الزراعة إلى هجرة الشباب للعمل خارج القطاع الزراعي.
5. تدهور الإنتاجية: حيث تراجعت إنتاجية القطن من أكثر من 4 قنطار للفدان إلى أقل من 1 قنطار في بعض المواسم.
6. التحولات المناخية والتصحر:أثرت سلبا على دورة المحاصيل وجودة التربة.
ثالثا: تشخيص الواقع:
يمكن تلخيص وضع المشروع الحالي في النقاط التالية:
1. انخفاض المساحة المزروعة الفعلية إلى أقل من 30% من المساحة التصميمية.
2. تهالك قنوات الري وتراكم الأطماء في الترع.
3. غياب التقانات الزراعية الحديثة واعتماد المزارعين على أساليب تقليدية.
4. غياب دراسات الجدوى الاقتصادية الحديثة لتطوير التركيبة المحصولية و الارشاد الزراعي.
5. انعدام الاستثمارات المحلية والأجنبية في البنية التحتية والخدمات الزراعية.
رابعا: التحليل الاقتصادي للمشروع :
يعد مشروع السوكي فرصة اقتصادية ضائعة رغم إمكانياته الضخمة. فلو تمت زراعة 100 ألف فدان فقط بمحاصيل نقدية مثل القطن والفول السوداني بمتوسط إنتاجية 2 طن/فدان، وبسعر 500 دولار/طن، فإن العائد السنوي الصافي يمكن أن يتجاوز 100 مليون دولار، إضافة إلى فرص العمل التي تتجاوز 20 ألف فرصة مباشرة.
كما أن المشروع يمكن أن يصبح مركزا للتكامل الزراعي الصناعي (Agro-Industrial Park)، إذا أنشأت مصانع محلية لتجفيف المحاصيل، وحلج القطن، وتصنيع الزيوت والأعلاف.
خامسا: بعض الحلول الاستراتيجية لإعادة التأهيل:
لإعادة تأهيل مشروع السوكي، نقترح حزمة من الحلول الاستراتيجية المتكاملة و التي تتمثل في :
1. إعادة تاهيل قنوات الري عبر شراكة بين الدولة والمستثمرين عبر نظام BOT (بناء – تشغيل – تحويل).
2. إطلاق برنامج تمويل زراعي مرن يعتمد على التمويل الأصغر والتمويل الإسلامي التشاركي.
3. تحديث التركيبة المحصولية لتشمل محاصيل عالية القيمة وقليلة الاستهلاك المائي.
4. تأسيس إدارة مستقلة للمشروع ذات طابع تجاري وتتمتع بصلاحيات كاملة في التعاقد والرقابة والشراكات.
5. ربط المشروع بشبكة من الصناعات التحويلية المحلية.
6. تدريب وتأهيل المزارعين على أساليب الزراعة الحديثة والحفاظ على الموارد.
7. التحول الرقمي في تسجيل الحواشات، توزيع المياه، ومراقبة الإنتاج.
ونختم بالقول ان
بين الواقع والمأمول تقع قصة مشروع السوكي التي تختزل قصة مشروعات التنمية في السودان، حيث تتقاطع الإمكانات الضخمة مع التحديات البنيوية. غير أن الأمل لا يزال ممكنا إذا ما توافرت الإرادة و الإدارة السياسية، وتم إشراك القطاع الخاص، وتطبيق سياسات اقتصادية استثمارية مرنة وفعالة،إن إحياء الموات لهذا المشروع ليست فقط ضرورة اقتصادية بل أيضا مسؤولية وطنية، لتحقيق التنمية المتوازنة وبناء سودان حديث يعتمد على موارده الذاتية.
(الاوطان تبنى بيد بنيها)