أحمد حسن الفادني: مشروع حلفا الجديدة الزراعي، (تحليل اقتصادي للتحديات والفرص ورؤية للإعمار والاستثمار)
متابعات -تسامح نيوز

أحمد حسن الفادني: مشروع حلفا الجديدة الزراعي، (تحليل اقتصادي للتحديات والفرص ورؤية للإعمار والاستثمار)
كتبنا في مقالات سبقت عن المشروعات الزراعية الاستراتيجية و التي اقيمت و انشأت في حقب تاريخية مضت ولكن نكتب فيها لعل الله يسخر من القيادات في الدولة ليسمع او يقرأ ويتنبه لها، ونحن الان نواصل مسيرة الكتابة بمقال عن مشروع حلفا الزراعية واهميته الاقتصادية من خلال قراءة للتحديات و الفرص ، حيث يعد مشروع حلفا الجديدة الزراعي من أقدم وأكبر المشاريع القومية في السودان.
وقد أُسس في ستينيات القرن الماضي لإعادة توطين المهجرين من منطقة حلفا بعد بناء السد العالي. يمتد المشروع على مساحة تتجاوز 500,000 فدان، ويعتمد على مياه نهر عطبرة، ويضم آلاف المزارعين والعاملين. ورغم أهميته، يعاني المشروع من تدهور كبير في الأداء والعوائد، مما يتطلب تحليلا متعمقا لوضعه الحالي واستشراف فرص النهوض به في المستقبل.
التحديات والمعوقات التي تواجه المشروع:
1. ضعف البنية التحتية الزراعية: تهالك قنوات الري وضعف كفاءة الشبكة أدى إلى فاقد مائي كبير. وغياب الصيانة الدورية والميكنة الزراعية الحديثة.
2. انخفاض الإنتاجية الزراعية:تراجع خصوبة التربة بسبب الزراعة التقليدية المستمرة دون توقف او نظام التبادل الزراعي، والاعتماد على أصناف تقليدية من المحاصيل دون تطوير أو تحسين وراثي.
3. غياب الإدارة الحديثة:هيمنة النظام الإداري البيروقراطي وضعف الحوكمة الرشيدة. مع غياب التنسيق بين الجهات المشرفة (الوزارة، المحلية، الجمعيات الزراعية).
4. تدهور الخدمات الاجتماعية: تراجع التعليم والصحة والبنية التحتية في القرى المرتبطة بالمشروع، وضعف الاستقرار الاجتماعي أدى لهجرة العمالة الشابة.
5. ضعف التمويل والاستثمار: اعتماد المزارعين على التمويل التقليدي المكلف أو انعدامه في كثير من الاحيان، مع غياب سياسات تحفيزية للاستثمار المحلي أو الخارجي في سلسلة القيمة الزراعية.
الفرص الاقتصادية الآنية والمستقبلية:
1. الفرصة الزراعية والتصنيعية: مشروع حلفا الزراعي غني بمحاصيل مثل القطن، الذرة، القمح، وقصب السكر، ويمكن التوسع في التصنيع الزراعي (زيوت، أعلاف، نسيج) وغيرها من مشروعات التجفيف. مع إمكانية تطبيق الزراعة التعاقدية وربطها بمصانع محلية أو شركات تصدير.
2. الموقع الجغرافي للمشروع:قربه من إثيوبيا وإريتريا وميناء بورتسودان يجعله مناسبا جدا للتصدير الزراعي.
3. توفر الموارد المائية والأراضي:توفر مياه نهر عطبرة، وخصوبة الأراضي تتيح التوسع الرأسي (زيادة إنتاجية الفدان) والأفقي في التنوع الزراعي .
4. التحول الرقمي في الزراعة: إدخال الزراعة الذكية (GIS, Drones, Sensors) قد يفتح آفاقا كبيرة للإنتاجية والجودة ومراقبة المحاصيل.
5. إمكانات التمكين الشبابي والنسوي: توظيف المقدرات الشباب والنساء في سلاسل القيمة يمكن أن يحقق أثرا اقتصاديا واجتماعيا مزدوجا مع تكوين الجمعيات التعاونية.
رؤية عملية لإعمار المشروع وتوجيه الاستثمار:
1. إعادة هيكلة المشروع: بإنشاء وحدة مستقلة لإدارة المشروع بشراكة بين الدولة والقطاع الخاص والمزارعين، وإدخال نظام الحوكمة الرشيدة والشفافية ومؤشرات الأداء بالتخطيط الاستراتيجي .
2. تطوير البنية التحتية: تأهيل شبكة الري والصرف بالتقنيات الحديثة (أنابيب، مضخات موفرة) رشاشات و الري بالتنفيض محاور وغيرها من تقنيات الري، مع تحديث الطرق الداخلية، المخازن، مراكز التدريب، والنقل الزراعي.
3. تعزيز التمويل والاستثمار: تأسيس محفظة استثمارية خاصة بالمشروع تتبع للصندوق السيادي ،يتيح الشراكة مع البنوك المحلية والصناديق الإقليمية، جذب استثمارات في التصنيع الزراعي، خاصة من مصر والصناديق العربية.
4. التدريب وبناء القدرات:إنشاء مراكز تدريب زراعي وريفي تطبيقي لتأهيل المزارعين والعمالة. من خلال دعم الجمعيات التعاونية وخلق كيانات تسويقية قوية.
5. استصلاح الأراضي وتوسيع المساحات المزروعة: استغلال المساحات غير المستثمرة بالتقنيات الحديثة، بإدخال محاصيل نقدية عالية القيمة والتوجه نحو التصدير.
6. التحول الرقمي والتكنولوجيا الزراعية: استخدام منصات رقمية لإدارة الحيازات، والتسويق، والتمويل ، من خلال إدخال تقنيات الاستشعار والري الذكي لرفع الكفاءة و الانتاجية.
وفي ختام هذه القراءة الاقتصادية تؤكد ان مشروع حلفا الجديدة يعد نموذجا حيا للتحدي والفرصة في آن واحد. فبينما يعاني من تدهور إداري وتقني، إلا أن قدراته الإنتاجية وموقعه الاستراتيجي يؤهلانه للنهضة من جديد، إن إحياء المشروع لا يتطلب فقط ضخ الأموال، بل يحتاج رؤية وطنية جادة، وشراكات ذكية، وإرادة سياسية قادرة على تجاوز العوائق وتحويل التحديات إلى فرص تنموية حقيقية.
(لا تكفي المعرفة بثروتنا فقط … بالعمل الجاد ننهض)