
أحمد حسن الفادني يكتب: مأساة جديدة.. ومدن تنزف
في واحدة من أبشع جرائم القتل والانتهاك،في زمن عز فيه الضمير، عادت مليشيا الدعم السريع الارهابية لتسجل جريمة بشعة في سجلها الدموي الحافل بالجرائم و الفظائع ، وهذه المرة في مدينة النهود الصامدة المبتلاه. مدينة كانت تنبض بالحياة، فإذا بها تتحول إلى ساحةٍ للموت والرعب، بعد أن اجتاحتها أيادي الغدر والنهب، لتسفك دماء الأبرياء بلا رحمة ولا وازع من دين أو أخلاق.
قتل ما يزيد عن 250 مواطنا أعزل، لا لذنب اقترفوه سوى أنهم تمسكوا بحقهم في أراضيهم وممتلكاتهم، ورفضوا أن يخضعوا للابتزاز والترويع. رجالا ونساء وأطفال، سقطوا برصاص الغدر لأنهم رفضوا أن يكونوا عبيدا للنهب والاستباحة. وما زاد الوجع الجرح عمقا أن من بين الضحايا 33 شخصية اجتماعية بارزة، كانوا يشكلون أعمدة للنسيج المجتمعي بالمدنية، صوت العقل والحكمة، وأمل التماسك في وجه المحن.
إن ما جرى في النهود ليس حدثا عابرا، بل مأساة وجريمة مكتملة الأركان، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هذه المليشيا الارهابية قد تحولت إلى الة للقتل لا تتوقف، تفلح في تدمير المدن، وتزرع الخراب حيثما حلت. هي لم تعد طرفا في نزاع كما تزعم بعض الجهات لتمرير اجندتها الخبيثة، بل صارت مشروعا لتفتيت الوطن وسرقة كرامة الإنسان السوداني.
المأساة ليست فقط في عدد القتلى، بل في صمت العالم، وتخاذل المجتمع الدولي، وتقصير بعض الجهات والتجمعات الوطنية في تسمية الأشياء بمسمياتها. لقد تجاوزت هذه الجرائم حدود الاحتمال، وتحولت إلى حرب إبادة ممنهجة، تستهدف الإنسان، والهوية، والتاريخ السوداني .
النهود اليوم تنزف… كما نزفت قبلها الجنينة ونيالا وزالنجي و الضعين و الجزيرة وشرقها و النيل الابيض و سنار شرق النيل وغيرها من مدن السودان المنكوبة. لكن دماء الشهداء لن تذهب سدى. فالشعب الذي صبر على الجراح، يعرف متى يثور، ومتى يقتص، ومتى يعيد بناء وطنه من تحت الركام.
لقد آن الأوان أن يعلن الجميع – دون مواربة – أن هذه المليشيا الارهابية خطر وجودي، يجب اجتثاثه من جذوره، وتقديم قادته ومنفذي جرائمه ومن عاونهم دوليا وإقليميا ومحليا للعدالة الدولية، قبل أن تلتهم ما تبقى من السودان.
النهود ليست وحدها، فكل المدن تنزف، وكل الأرواح المظلومة تصرخ: كفى!
وحتما، سيأتي اليوم الذي ترفع فيه راية القصاص، وتطوى صفحة الألم… ولكن لا ننسى، ولا نغفر.
وقربيا سنتصر ونأخذ بثأرنا منهم جميعا بدعائنا وقوتنا و عتادنا ووحدتنا ونهضتنا.