
أسامة عبد الماجد: الاستهتار بالدولة!!
للأسف يواصل رئيس الوزراء كامل إدريس زياراته الخارجية عديمة الجدوى.. زيارات لم تعد تحمل أي نفع للبلاد، بل تحولت إلى عبء على سمعة السودان الدولية.. نموذج ذلك زيارته إلى القاهرة، التي لم تسفر عن توقيع أي اتفاقيات تذكر.. ويكفي هنا مقارنة تلك الزيارة باتفاقيات مصر الأخيرة مع تشاد، رغم أنها جاءت على مستوى وزيري الخارجية.. لمعرفة حجم الفارق في الجدية والمردود، بصرف النظر عن اختلاف طبيعة العلاقات.
0 لا يختلف الأمر كثيراً عن زيارته “الفضيحة” إلى المملكة السعودية، أو زيارة المجاملة الباهتة إلى إريتريا.. أو حتى مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، والتي لم ينتج عنها أي اختراق سياسي أو دبلوماسي يحسب للحكومة.. اليوم غادر كامل، ومن الأدق توصيف الرحلة بأنها إلى نيويورك.. لا إلى الولايات المتحدة، حتى لا يفهم خطأً أنه سيلتقي مسؤولين في الإدارة الأمريكية.. فالخبر الرسمي يقول إن مهمته تتعلق بتعزيز العلاقات والتعاون والتشاور مع مسؤولي الأمم المتحدة.. واستكمالاً للحوار والمباحثات التي أجراها رئيس الوزراء خلال زيارته السابقة، أي أثناء مشاركته في أعمال الجمعية العامة.

من البديهي أن أي زيارة خارجية لمسؤول رفيع المستوى يجب أن تستند إلى أسس واضحة.. تشكيل الوفد، الملفات المطروحة، والنتائج المتوقعة.. لكن السؤال المشروع هنا من الذين سيلتقيهم كامل هذه المرة؟ وما الجديد الذي سيطرحه؟ فقد التقى الأمين العام للأمم المتحدة قبل أقل من ثلاثة أشهر.. كما زار المبعوث الشخصي للأمين العام رمطان لعمامرة بورتسودان مؤخراً.. فما الذي استعصى على مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة، حتى يضطر رئيس الحكومة للسفر شخصياً إلى نيويورك؟
يزداد هذا التساؤل وجاهة إذا علمنا أن العواصم الأوروبية والأمريكية دخلت فعلياً في عطلات غير رسمية، تستكمل بعطلات رسمية حتى الخامس من يناير بمناسبة أعياد الميلاد.. المدارس والبرلمانات مغلقة، وكبار المسؤولين يستعدون لقضاء الإجازات مع أسرهم وصديقاتهم.. فمع من سيتشاور كامل ؟ وفي أي ملفات ؟ وهل سيلتقي غوتيريش مجدداً ؟ وهل تم التنسيق أصلاً مع وزارة الخارجية؟.
ثم إن مسؤولي الأمم المتحدة – مهما علت مناصبهم – هم في نهاية المطاف موظفون دوليون.. وأعلى هرمهم هو غوتيريش نفسه، وهو متاح أصلاً لمندوب السودان في نيويورك.. أما السياسات الكبرى، فهي مرسومة سلفاً من قبل الدول الممولة للمنظمة.. فليجيب كامل بصراحة ماذا أنجز في زيارته السابقة لنيويورك أواخر سبتمبر ؟

لم يتغير موقف الأمم المتحدة من الحرب في السودان، ولا تزال تتحدث عن “طرفين” وتصف المجازر الوحشية بأنها “انتهاكات”.. ولم تصنف المليشيا كجماعة إرهابية.. وحتى بعد مقتل عناصر أممية من بنغلاديش في كادوقلي، اكتفى غوتيريش بالقول إن ما حدث (يرقى إلى جريمة حرب) ، دون أي تبعات سياسية حقيقية.. حوصرت الفاشر عاماً ونصف العام، واضطر أهلها لأكل علف الماشية، وقتل الأبرياء في الشوارع وأثناء محاولات الفرار، ولم تحرك الأمم المتحدة ساكناً.
وفي الوقت الذي تردد فيه الامم المتحدة أن السودان يشهد أكبر كارثة إنسانية في العالم.. أعلن برنامج الغذاء العالمي في تخاذل دولي صارخ خفض المساعدات الغذائية.. بنسبة 70% للسودانيين الذين يعانون من المجاعة، وبنسبة 50% للمعرضين لخطر المجاعة.. اعتباراً من يناير المقبل، دون أي تعليق أو موقف واضح من الحكومة السودانية.
المؤكد ان كامل لن يغير في هذة المواقف.. المحصلة أن كامل يبدو تائهاً ومضطرباً، يجهل أبجديات العمل العام.. وكذلك الدائرة الاستشارية المحيطة به. فإما أنهم يجهلون.. أو أنهم يعملون ضده لمصلحة مراكز قوى داخلية أو خارجية – أو الاثنين معاً – .. إذ لا يعقل هذا القدر من الضعف وسوء التقدير.. الخطر الحقيقي لم يعد فقط في عجز كامل عن إدارة الحكومة، بل في تحوّله إلى عبء على مؤسسات الدولة نفسها.. وفي مقدمتها القوات المسلحة وجهاز المخابرات.. لأنه يفترض ان يشكل لهما اسناد في المعركة الوجودية.
حسناً.. يبقى احتمالان لا ثالث لهما.. إما أن كامل يسافر لمجرد السفر، هروباً من عجزه عن تحقيق أي إنجاز داخلي ذي قيمة.. أو أنه ينوي عقد مشاورات أو مفاوضات مع الإماراتيين، كما اشارت الزميلة العزيزة سهير عبد الرحيم قبل الإعلان الرسمي عن الزيارة.. وإذا كان الاحتمال الثاني صحيحاً، فقد أحرق كامل نفسه سياسياً.. لأن هذا ملف سيادي بامتياز، يتجاوز صلاحياته.. وينطوي على التزامات أكبر منه بكثير، فكيف يرتضي لنفسه السير في هذا الحقل المليء بالألغام؟
ومهما يكن من امر.. يظل السؤال قائماً
إلى متى هذا الاستهتار بمؤسسات الدولة؟
وإلى متى يتحرك كل مسؤول خارجياً بطريقة تثير الريبة والشك.
السبت 20 ديسمبر 2025





