أخبار

أمواج ناعمة/الاتفاق الاطاري.. حبل المشنقة/ د. ياسر محجوب الحسين

تسامح نيوز | الخرطوم

 

 

يفضي الاتفاق الاطاري السياسي السوداني الموقع بين الفرقاء السودانيين الأسبوع الماضي إلى أن تدير الفترة الانتقالية جهة حزبية أو ائتلاف حزبي لمجموعة صغيرة من الاحزاب وهو تحالف الحرية والتغيير جناح المجلس المركزي.وهذا يعنيأن هذه الأقلية المحدودةستعمل على تشكيل الفترة الانتقالية تشريعيا وقانونيا وتجيير ذلك لصالحها بل ستعمل على التلاعب بمواقيتها، فلا حاجة لها لانتخابات طالما حصلت على السلطة بدون جهد وعناء وتنافس شريف وحر ونزيه، فلماذا تعجّل بالانتخابات لتدخل في مخاطرة فقدان كل السلطة أو حتى جزءً منها؟. كما أن أغلب هذه الاحزاب لا يُعرف لها حضورا في الشارع وكسبا جماهيريا قد سبق. وحتى الآن مضت منذ سقوط نظام عمر البشير نحو 3 سنوات وكان من المفترض أن تنتهي معها الفترة الانتقالية حيث اتفق بين ذات الشريكين، على أن تكون 39 شهرا في ما عرف بالوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس 2019؛ لكن اليوم اتفق على فترة انتقالية جديدة مدتها 24 شهرا جديدة ليصبح مجموع سنوات الفترة الانتقالية حتىالآن نحو 5 سنوات بينما كانت الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط نظام الرئيس جعفر نميري في 1985 والتي تولى رئاستها المشير عبد الرحمن سوار الذهب مدتها عام واحد فقط. فبدلا من أن تمضي البلاد اليوم بعد مضي أكثر من 39 شهرا، نحو انتخابات حرة تنهي حالة عدم الاستقرار وكذلك حالات الإدعاء بتمثيل الشعب البريء من نزغات السياسيين، يُصفّر العداد لتبدأ فترة انتقالية من جديد ولا يعرف هل هي الأخيرة أم أن الحبل على الجرار. إن محاولة اعتبار هذا الاتفاق الشائه عملا مقبولا أو شيئا لا غبار عليه أمرا أشبه بنظرة إفلاطون لجمهوريته الفاضلة اليوتيبية السمت. فأي حديث حالم عن هذا الاتفاق دون النظر إلى مآلاته ونتائجه هو نوع من ذر الرماد على العيون وربما تجريفا للوعي.

 

إن حالة عدم اليقين لدى أطراف الاتفاق حتمت تسميته بالاطاري فقد حمل مضامين فضفاضة تسمح لكل طرف بهامش عريض من التفسيرات التي يظن كل طرف أنها حققت له مكاسب سياسية على حساب الطرف الآخر. ولذلك أعلن مجلس السيادة أن الاتفاق السياسي الإطاري يظل مفتوحا للنقاش والمشاركة من الأطراف الأخرى المتفق عليها لتطويره في المرحلة الثانية لاتفاق نهائي وترتيبات دستورية انتقالية، بيد أن ذلك يفتح الباب أمام حالة جدلية وتنازع قد تطول ولا تصل إلى نهايات سعيدة. والخلاصة أن الاتفاق هو ناتج مساومة سياسية واستجابة لمخاوف ومطامع أطرافه، عسكريين ومدنيين.

 

إن أول ثغور هذا الاتفاق أنه لا يمثل كل السودانيين ولا قضايا الهوية ولا يتجاوز كونه اتفاقا سياسيا لتقاسم السلطة بين عسكريين يواجهون معارضة متنامية داخل المؤسسة العسكرية ومدنيين منقسمون وغير مفوضين ولاهثين نحو كراسي السلطة لاهثا. والفريقان لا يعبران عن الشارع واتفاقهم زواج إكراه يتجنبان به سقوطهما ومحاسبة الشارع لهما لكونهما سرقا ثورته في ابريل 2019. بل أن الاتفاق يُقسّم الموقعين عليه إلى درجتين مواطنين درجة أولى يختارون رئيس الوزراء ومواطنين درجة ثانية تتم مشاورتهم في اختيار الوزراء فقط وبالطبع هناك أغلبية غالبة ليس لها، لا في العير ولا في النفير. ويرى البعض أن الاتفاق يؤسس لدولة لا تقوم على الفصل بين السلطات إذ أن مجلس العدل الانتقالي الذي تعينه قوى سياسية هو الذي يختار رئيس القضاء ونوابه والنائب العام ومساعديه ورئيس المحكمة الدستورية وأعضاءها والمراجع العام. فضلا عن هذا الاتفاق يستبق البرلمان المنتخب ويؤسس لدستور علماني يفرض العلمانية استقواءً بالأجنبي متجاهلا طبيعة الشعب السوداني وحجم تجذر وتمدد التيار الإسلامي والوطني فيه.

 

والمدهش كما ذكر أحد السياسيين المعارضين للاتفاق ساخرا أن وجود ممثلي الأطراف الدولية كان أكثر من وجود الأطراف السودانية. فقد كان هناك تكالبا دوليا وإقليميا فات حد المعقول فمن أبرزهم: الآلية الثلاثية المسهلة للحوار المكونة من “إيغاد”، والاتحاد الأفريقي، وبعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال، والآلية الرباعية المكونة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبلدان إقليميان.

 

لقد أظهر هذا الاتفاق مدى قلق العسكريين وشعورهما باقتراب حبل المشنقة منهم وأفضى ذلك القلق إلى تدهور حالة الثقة والتناغم بين قائدي الجيش من جهة وقوات الدعم السريع من جهة أخرى؛ فبينما أعلن قائد الدعم السريع عن خطأ إجراءات 25 أكتوبر 2021 التي أطاحت بحكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، رد عليه قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان بأنها لم تكن خطأً بل كانت ضرورية لتصحيح أوضاع سيئة. وذهب قائد الدعم السريع بعيدا في جسارته على الجيش الوطني ومغازلة القوى السياسية المدعومة أجنبيا، ليقول أن الجيش يحتاج لجراحة عميقة. وهذا طرح ظل ظلت تتبناه تلك المجموعة المرتبطةبالأجندة الأجنبية ظنا منه أن ذلك قد ينجيه بمليشيته من الحبل الذي ينصب للمؤسسة العسكرية بجناحيها. فمشروع الاتفاق الاطاري يُخرج قوات الدعم السريع من تبعيتها لقائد الجيش الوطنيويضعه لوحده تحت إمرة رئيس وزراء غير منتخب تفرضه القوى الأجنبية على السودانيين. إن خطة ضرب النسيج السوداني تقتضيتقنين وجود جيشين فيالبلاد وجعل ذلك أمرا دستوريا.ووفقا لذلك الاتفاق،يستطيع رئيس الوزراء فور توليه منصبه أن يطلب من الأمم المتحدة أن يُدار السودان بواسطة بعثة أممية بصلاحيات البند السابع وبهذا يحكم حبل المشنقة على القائدين المتشاكسين.

 

إن تفكيك الجيش الوطني طوعا أو عبر صدامه مع قوات الدعم السريع هو الشرارة الأولى لاشعال الحرب الأهلية ومن ثم إعادة رسم خريطة البلاد من قبل القوى المتربصة على أساس أثني وجهوي. لا يبطل مخططات القوى الأجنبية سوى أن ينبذ السودانيون خطاب الكراهية فيما بينهم، وأن يلفظوا كذلك نهج المعادلة الصفرية تجاه بعضهم البعض، وألا يرتبط مكسبك جهة سياسية ما بالضرورة بخسارة الخصم. فالأسوأ حين يعتقد صاحب ذلك النهج الاقصائي أن ذلك لابد أن يكون مُطلقا أي مكسبًا كاملا مقابل خسارةٍ كاملة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى