
إستبدال العملة السودانية.. المآلات والمخاوف
تقرير – تسامح نيوز
استبدال العملة السودانية.. المآلات والمخاوف
خبراء يحذرون ومراقبون ينتقدون تأخر القرار
د. وليد دليل :القرار سيحدث تضخم إقتصادي كبير
خبير اقتصادي : القرار يعيد الثقة في العملة الوطنية
منذ اندلاع الحرب بين قوات الشعب المسلحة ومليشيا الدعم السريع في منتصف أبريل العام الماضي 2023 ، تصاعدت مطالبات المراقبين بتغيير العملة السودانية او إلغاء الفئات الكبيرة، ولعل الغرض الأساسي من ذلك تكبيد المليشيا التي “شفشفت” أموال الشعب السوداني ونهبت البنوك والمؤسسات المالية ، خسائر فادحة.
ولكن رغم دعوات المراقبين والخبراء الا ان بنك السودان المركزي ظل صامتا ، بل أصدر ورقة نقدية فئة ألف جنيه جديدة عليها توقيع المحافظ الحالي برعي صديق علي، وألحق ذلك بإعلانه ان الألف جنيه الطبعة الأولى مبرأة للذمة ، الأمر الذي وجد استنكارا من عدد من الاوساط الاقتصادية وقالوا”كأنك يازيد ما غزيت”.
طرح عملة نقدية لفئة الألف جنيه
ولكن ان تأتي متأخرا خيرا من ان لاتأتي ،فاخيراً أعلن بنك السودان المركزي للجمهور (السبت) التاسع من نوفمبر2024، أنه قد تقرر طرح عملة نقدية لفئة الألف جنيه خلال الفترة القادمة ، وعزا ذلك استناداً إلى سلطات بنك السودان المركزي واختصاصاته الواردة بقانونه لسنة 2002م .
وفي إطار مسؤوليات البنك عن حماية العملة الوطنية وتحقيق استقرار سعر صرفها والمساعدة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي ، ولمعالجة الآثار السالبة للحرب الدائرة بالبلاد لا سيما عمليات النهب الواسعة التي قامت بها المليشيا المتمردة لمقار بنك السودان المركزي وشركة مطابع السودان للعملة في الخرطوم ،
وما نتج عن ذلك من انتشار كميات كبيرة من العملات مجهولة المصدر وغير مطابقة للمواصفات الفنية من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه الأمر الذي أدى إلى زيادة مستوى السيولة النقدية بشكل واضح وكان له الأثر السالب على استقرار المستوى العام للأسعار .
عملة غير مبرئة للذمة
وأوضح البنك في اعلان السبت استمرار المصارف التجارية وفروعها باستلام العملات من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه من المواطنين وتوريدها وحفظها في حساباتهم وتمكينهم من استخدام أرصدتهم عبر وسائل الدفع المختلفة.
كما ستقوم المصارف التجارية وفقا لإعلان البنك بتسهيل عملية فتح الحسابات للمواطنين الذين ليست لديهم حسابات مصرفية لتمكينهم من توريد ما لديهم من العملات من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه والفئات الأخرى للاستفادة من الخدمات المصرفية بما فيها خدمات الدفع الإلكتروني.
وأشار البنك في إعلانه أنه سيعلن لاحقاً عن تاريخ إيقاف التعامل بالطبعات الحالية من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه واعتبارها عملة غير مبرئة للذمة.
تأخر خطوة الحسم
غير ان مراقبين انتقدوا تأخر الخطوة بعد مرور اكثر من عام ونصف من إندلاع الحرب وعمليات النهب والسلب والسرقة والتحويلات البنكية، ورأوا انه كان من الممكن إتخاذ كهذا قرار منذ العام الماضي عند بداية التعدى على البنوك والمنازل والمحال التجارية لأن معظم المبالغ المالية يحتفظ بها أصحابها من الفئات الكبيرة الألف والخمسمائة.
تحذير من خطورة الخطوة
وحذر الخبير المصرفي وليد دليل من خطورة طرح عملة جديدة بهكذا قيمة عالية وقال في حديثه ل(تسامح نيوز) خطوة خطرة جدا بالحسابات الاقتصادية ، ورأى ان هذا يعني سيكون هنالك اندثار وانحصار في استخدام العملة الصغيرة من قيمة٥٠٠-٢٠٠-١٠٠ .
ما عده سيولد تضخم اقتصادي وارتفاع الاسعار للمواد ذات القيمة القليلة، لافتا الى انه لو كانت خطوة البنك بتفعيل كارت الفيزا وتسهيل نقل الاموال بين البنوك لكانت بهكذا خطوة نوفر بها ملايين الدولارات التي كلفت طباعة ورقة العملية الجديدة.
وقطع بأن هنالك مخاوف من الخطوة القادمة للاقتصاد السوداني بخفض قيمة الجنيه السوداني وتابع “هذا يعني كارثة اقتصادية اخرى وخصوصا السودان يعتمد على الاستيراد ان الطبقة الوسطى ستتحول الى الطبقة الفقيرة والطبقة الفقيرة تتحول الى الطبقة المعدومة،
واضاف “نحن مقبلين على مشروع اقتصادي يدار من قبل اشخاص لا يملكون الخبرة الكببرة من اجل الخروج من هذه الازمة ،
كذلك لم نسمع من الحكومة العمل على طرح حلول عملية من اجل المساعدة على تقليل الخسائر والانتقال الى الحلول العمليه باقل الخسائر
بدول العالم المتحضر يتم العمل على تقليل الكتلة النقدية والانتقال للاموال الالكترونية والحسابات البنكية لما تكلف هذه الكتله من اموال لنقلها واعاده طباعتها وحمايتها من السرقه والتزوير
تفعيل التطبيقات البنكية للحد من تداول النقود الورقيه ورفع سقف التحويلات والرجوع الي نظام التحويل الرصيد عن طريق الهاتف النقال كلها حلول يمكن تطبيقها بدلا من طباعة النقود.
ورأى الأمين العام لديوان الضرائب الاسبق احمد آدم سالم بان القرار الصحيح هو تغيير العملة السودانية منذ العام الماضي عندما إندلعت الحرب وتعرضت البنوك والمنازل للنهب والسلب حتى لا يستفيد الذين سرقوا تلك المبالغ المالية منها وتصبح أوراق نقدية غير مبرأة للذمة.
تغيير العملة
من ناحيته اعتبر الخبير المصرفي ايمن احمد ، ان اعلان بنك السودان باصدار عملة جديدة ،عمليا يعني تنفيذ تغيير العملة، واعرب في حديثه ل(تسامح نيوز) عن أمله في تحقيق الأهداف المرجوة من هذه العملية واهمها السيطرة على التضخم واستعادة الثقة في العملة الوطنية من قبل المواطنين ومنظمات الاعمال ( وحتى المستثمرين الوطنيين والأجانب )،
خاصة وان مثل هذه العمليات يتوقع معها ان تسهم فى تحقيق الاستقرار المالي على مستوى النظام المصرفي واسواق السلع فى المناطق الآمنة، في ظل توقف سوق راس المال، وهذا بدوره سيؤدي لمساعدة النظام المصرفي على توفير التمويل للصناعات التي قامت في المناطق الآمنة.
توقيت جيد
ودحض ايمن ان يكون التوقيت غير مناسبا ، واعتبره توقيت جيد جدا ، وعزا ذلك لجهة أنه أتي على خلفية استقرار سعر الصرف ( نسبيا) بعد تفعيل عمل محفظة السلع لمدة تجاوزت الثلاثة شهور، ورغم ان ايمن ان ذاك كان يحتاج لثلاثة اشهر إضافية كي يتحقق مستوى معقول من الاستقرار ،الا انه رأى ان البنك المركزي واضح انه متحسب لهذا بالتركيز على الفئة الكبيرة الأكثر تاثيرا.
وتوقع ايمن ان تؤدي هذه العملية في المدى الزمني الممتد حتى فبراير القادم إلى تحسين مناخ الاستثمار المحلي وتعزيز الثقة في الجنيه بشرط استمرار تحقق الاستقرار الاقتصادي على صعيد التضخم والعوامل المؤثرة فيه خاصة سعر الصرف، ورأى ان الخطوة المهمة التالية تتمثل في تخفيف الضغط على بنك الخرطوم وبنكك واستخدام تطبيقات البنوك الأخرى ،
واكد إن نجاح البنك المركزي في تحقيق الاستقرار المالي سيجعل البلاد تدخل مرحلة إعادة الإعمار في وضع مريح وسنكون مطمئنين على قدرة البلاد على تحقيق أهداف النمو الاقتصادي الموجب وربما بمعدلات اعلى من الاقليم والقارة، واعتبر ان الأموال ذات الحجم الكبير سيكون من الصعب تبديلها ،
ورأى ان المبالغ خارج الجهاز المصرفي حاليا ليست كبيرة ومعظمها تم غسله وزاد”اقصد بالتحديد الأموال التي نهبت في بداية الحرب”لافتا الى ان معظم هذه الاموال تم غسله شقق، دولار، ذهب، تحويلات لكل دول العالم.
ما هو مؤكد ان كل المبالغ التي كانت موجودة فى خزن البنوك التجارية لا تتجاوز أكثر من 10% من حجم الودائع الموجودة فى الجهاز المصرفي، وقطع بأن بنك السودان هو الجهة الوحيدة التي تعرف حجم الكتلة النقدية خارج البنوك لجهة انه هو يعلم حجم المطبوع وطرح منها كم، الموجود في خزن البنوك والخزنة المركزية في كل فروع بنك السودان
واردف”حسب اخر تقرير هذه النسبة كانت فى حدود 15 او 25% ” مشيرا إلى ان جزء مقدر من اموال الجمهور ما زال معطلا بسبب عدم عمل عدد كبير من البنوك والباقي جزء كبير منه تحول لبنك الخرطوم بسبب اعتماد الناس على بنكك في التحاويل الداخلية والخارجية .
واردف”تقديري ان حتى المبالغ المنهوبة معظمها دخل الجهاز المصرفي واغلبها فى بنك الخرطوم” وتابع “لن اتفاجأ اذا قيل لى ان ودائع بنك الخرطوم وصلت اكثر من 90% من حجم الودائع”.
من جانبه قال عميد كلية الاقتصاد بجامعة السودان د.عبدالعظيم المهل ان كان اديه رأي ومازال أن تكون الورقتين فئتي ألف جنيه وخمسمائة جنيه غير مبرئة للذمة وقال “قلنا ذلك قبل سنة ونصف مع بداية عمليات النهب من قبل المليشيا للبنوك والمؤسسات الحكومية والخاصة والبيوت وغيرها،وغير مبرئة تعني عدم مقدرته شراء دولار أو ذهب أو بيت او ارض أو غيرها وعليه التوجه فورا الي البنك لتحويلها ومن ثم ممكن يشتري بها”
ورأى ان التغيير الحالي سوف يدفع (النهّابة) من غرب أفريقيا لشراء الذهب والدولار وبالتالي ارتفاع سعرها في السوق بل حتى الأصول الأخرى سوف يرتفع سعرها بسبب النهابة،وعدّها فرصة مواتية للحوسبة الكاملة وعودة النقود الى النظام المصرفي وعدم السماح بتداول الارقام الكبيرة “كاش” كما يحدث في الدول الأخري حتى في امريكا نفسها أكبر دولة رأسمالية في العالم.
ولكن لا يحق لك حمل الف دولار “كاش” وتتم متابعة ارقام الحسابات في البنوك في الخليج واي مبلغ أكثر من راتبك تخضع للمساءلة ولا توجد فوضى نقدية كما هو عندنا واردف”الان بعد الحرب في بعض الحسابات بعد أن كانت من خانتين عشريتين الان من تسعة ارقام”.
فرق بين الاستبدال والتغيير
من ناحيته اوضح احمد العنان رئيس شعبة مصدري الصمغ العربي ان هنالك فرق بين استبدال العملة(ورقة بورقة وفئة بفئة)وبين تغيير العملة (من الديار للجنيه/حذف الأصفار) مبينا ان الهدف من الإستبدال إدخال الكتلة النقدية للجهاز المصرفي لإنجاح السياسات النقدية والمالية،توجية التوظيف الأمثل للعملة في الأنشطة المفيدة للاقتصاد ،تحجيم تزوير العملة،تحجيم الأنشطة الضارة بالاقتصاد -المساعدة في ضبط حركة الأسعار -إكساب العملة الوطنية القوة الحقيقية .
وذكر ان التأثيرات الاقتصادية المتوقعة نزول الدولار وذلك بقلة المعروض من العملة المحلية للشراء والبيع وكمخزن للقيمة
،نزول اسعار العقارات للأسباب عالية ،علي الإنتاج سيكون الأثر سلبيا مالم توفر تمويلات للقطاعات الحيوية-علي المستهلك سيكون الأثر ايجابا بتحجيم زيادات الاسعار-علي الأعمال التجارية تقلل حركة البيع والشراء وتقلل الارباح -علي الصادرات تزيد تكلفة المنتج المحلي وتقلل التنافسية للصادرات السودانية
مالم تتخذ سياسات تحفيزية -علي الواردات تقلل تكلفة الوارد وتزيد الطلب عليها-علي سداد المديونيات والالتزامات المالية تصعب السداد علي المدينون -على الارباح تقلل الارباح مما يجعل تدوير رأس المال هو المتاح لزيادة الارباح وليس التخزين .
مضيفا ان المطلوبات تكامل السياسات النقدية مع المالية،فإذا وفر الاستبدال لك فرصة معرفة المعروض من النقود يتطلب الأمر معرفة الناتج الاجمالي المحلي حتى تضبط حركة دوران النقود.
لقفل ثغرة عرض النقود لابد من تحجيم الصرف الحكومي ما أمكن لان الحكومة أكبر مشتري،وتكون المصروفات على موارد حقيقية مما يتطلب النظر في الأمر الضريبي والرسوم حسب أهمية القطاع.
للاستفادة من دخول الكتلة النقدية للجهاز المصرفي لابد من تكوين رصيد من العملات الصعبة وشراء حصائل الصادر بأسعار تشجيعية ولتعمل ملاءة من النقد الاجنبي لتجنب شراء النقد الاجنبي من السوق لضرورات الدولة.
،للتخطيط المتكامل لابد من البدء في معرفة الناتج الاجمالي المحلي بجمع المعلومات الحقيقية لتنزل عليها السياسات،فعندما تكون غير ملم بالنشاط الانتاجي وطبيعته فلا تستطيع اصدار سياسات واقعية وهذا هو الأمر الثاني المكمل لاستبدال العملة وهي فرصة قد لا تتكرر قريبا.
-لا يكون هم بنك السودان تنزيل الدولار بدون سقف لأن ذلك يؤدي الي زيادة التكاليف وقلة النشاط الانتاجي بل توقف معدلات النمو…يمكن لبنك السودان ان يحدد سقف للدولار لكل فترة لاتتجاوز الحدود الآمنه لاستمرارية النشاط الاقتصادي.
ورأى ان من الحكمة عدم ترك الامور تسير بعفوية وعليه نآمل تكوين لجنة متخصصة من بنك السودان ووزارة المالية والقطاعات الانتاجية لإصدار تشريعات وسياسات حسب معطيات الواقع الناتج من استبدال العملة ولأن الاقتصاد علم بدائل ان لم تسد الثغرات قد تأتي النتائج عكسية تماما واردف”لهذا فصحة الفعل بالمتابعة والمقاربة”.