
هناك فرق.. منى أبوزيد:إلى مجمع الفقه الإسلامي في سودان ما بعد الحرب..!
“الفكرة فكرتان، فكرة تصديق وإيمان وفكرة شهود وعيان، فالأولى لأرباب الاعتبار، والثانية لأرباب الشهود والاستبصار”.. ابن عطاء الله السكندري..!
دانيال بايبس، الكاتب المعادي للإسلام – الذي انتقد علانية تضمين الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما اسم جده حسين في مراسم حفل تنصيبه للرئاسة، ومؤلف كتاب “الأيدي الخفية ومخاوف شرق أوسطية من المؤامرة”، ومبتكر مصطلح الرعب الإسلامي، له مقال شهير بعنوان “الإقتصاد الإسلامي ما الذي يعنيه”..!
المقال جاء فيه أن الإقتصاد الإسلامي هو اليوم قوة لا يستهان بها مع تعدد وتضاعف الآليات المالية الإسلامية، مثل القروض العقارية بدون فوائد أو سندات الصكوك، ولكنّ الآليات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية لا تستطيع أن تتحدى النظام المالي الدولي. وقد قلل في ذلك المقال من شأن تاريخ الاقتصاد الإسلامي مستشهداً بكتاب “تيمور كوران” وواصفاً إياه بالنظام المبتكر الذي اخترعه بعض علماء الإسلام في بواكير القرن الماضي ..!
الاقتصاد الإسلامي كمبحث علمي أكاديمي انطلق في منتصف الستينات، ثم اكتسب قوة بسبب ارتفاع أسعار النفط في السبعينات، لكنه – بحسبه – فشل في تحقيق أهداف قيامه من إلغاء الربا، وتحقيق مبدأ المساواة الاقتصادية، وتأسيس أخلاقيات عمل شرعية،
ولا يوجد مكان في العالم قد تم تطهير معاملاته الاقتصادية من الفائدة، ولا تتمتع الأسلمة الاقتصادية بتأييد ودعم جماعي في أي مكان، ولم يتحقق، وبالتالي فإن هدف تخفيض أو تقليص عدم المساواة عن طريق فرض ضريبة الزكاة – هو بحسبه أيضاً – لم يتحقق..!
كما أنه يرى أن تأكيد المبادىء الأخلاقية الاقتصادية لم يكن له أي تأثير يُمكن حسابه على السلوك الإقتصادي المعاصر في البلدان الإسلامية، بسبب التضارب والصراع القائم بين بعض عناصر جدول الأعمال الاقتصادي الإسلامي وبين طبيعة عمل الاقتصاد العالمي ..!
وعليه فمن المحتمل أن يتسبب الاقتصاد الإسلامي في زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي إذا استمر الإصرار على تحريم دفع أو استلام الفائدة. وهو بهذا الفهم قد يشكل أهمية إقتصادية تافهة لكنه يمثل خطرًا سياسياً كبيراً..!
وقد بادر الكثيرون بالرد على هذا الكلام مستشهدين بموقف الرسول – صلى الله عليه وسلم – عندما هاجر إلى المدينة ولاحظ هيمنة اليهود على سوقها، فأمر ببناء سوق خاص بالمسلمين بلا أتاوات..!
فضلاً عن استشهادهم بكتب الفقه الإسلامي التي ضمت تفاصيل أحكام المعاملات والعقود والبيوع، وكيف أن بعض خبراء الاقتصاد العالمي الذين واكبوا علم الاقتصاد الإسلامي وعاصروا نشأة البنوك الإسلامية – بصورتها النهائية الحديثة – قد تساءلوا بجدية وخطورة عن مزاعم أخلاقية الرأسمالية الغربية ..!
واستشهدوا بأمثلة حية تثبت اللجوء الغربي إلى الاقتصاد الإسلامي، مثل قرار الهيئة الفرنسية العليا للرقابة المالية إبان الأزمة الاقتصادية العالمية الذي قضى بمنع تداول الصفقات الوهمية والبيوع الرمزية التي يتميز بها النظام الرأسمالي، واشتراط التقابض في أجل محدد بثلاثة أيام لا أكثر من إيرام العقد، وهو ما يتطابق مع أحكام الفقه الإسلامي..!
ومثل القرار الذي أصدرته ذات الهيئة والذي يسمح بالتعامل مع نظام الصكوك الإسلامي في السوق المنظمة الفرنسية، وهكذا… إلخ. ..!
وكل هذا التدافع مهم وباعث على التفكير، هل فقه معاملاتنا المالية الذي تستند إليه الرقابة الشرعية على المصارف يحتاج إلى تطوير منهجي وتشريعات مواكبة لمستحدثات العصر في سودان ما بعد الحرب..؟
في سودان ما قبل الحرب كان السبب الرئيس في رواج سوق “الكسر” وما شابهه من وجوه الربا المحرم هو صرامة الرقابة الشرعية على معاملات البنوك إلى درجة التنطع، وذلك على العكس من نظام المعاملات والبيوع في البنوك السعودية التي تُعَوِّل في نهوضها بالمشروعية على المذهب الفقهي لبلد الحرمين الشريفين!.