
الأستاذ أحمد حسن الفادني يكتب: الحرب جمعتنا.. والشعب التف حول جيشه
(كاتب ومحلل استراتيجي ومطور اعمال)
في لحظات الخوف والدمار حين تتساقط القذائف ويعلو صوت الرصاص على صوت الحياة، تظهر المعادن الحقيقية للشعوب. وقد أظهرت الحرب في السودان، رغم قسوتها، وجها آخر من وجوه هذا الشعب العظيم وهي الوحدة.
نعم، لقد جمعتنا الحرب بعد أن فرقتنا السياسة، ووحدتنا المصيبة بعد أن باعدت بيننا المصالح.
فجأة، لم نعد نسأل عن القبيلة أو الجهة أو الحزب. لم نعد نميز بين لهجة ولهجة، ولا بين لون ولون. صرنا كلنا نقف في خندق واحد، نتابع الأخبار بقلق واحد، ونرفع الأكف بالدعاء لرجال يذودون عن شرفنا وأرضنا، جيشنا السوداني العظيم
.
لقد أصبح الجيش أكثر من مجرد مؤسسة عسكرية. صار رمزا للصمود، ودرعا للوطن، وسندا للمدنيين الذين انهارت حولهم مؤسسات الدولة وبقي الأمل معلقا على كتف جندي يحمل سلاحه بإيمان، ويحرس ويزود عن تراب الوطن بروحه. كثيرون فقدوا بيوتهم، لكنهم وجدوا مأوى في حضن الوطن حين احتضنهم الجيش في المعسكرات والولايات الآمنة. كثيرون جاعوا، لكنهم أكلوا من فتات المقاتلين الذين اقتسموا معهم الزاد والماء.
هذا الالتفاف الشعبي لم يكن بدافع الخوف فقط، بل كان بدافع الانتماء. حين رأى الشعب جيشه يقاتل ببسالة، لا من أجل سلطة ولا مكسب، بل من أجل ألا يسقط الوطن وتنتقص السيادة الوطنية ، شعر أن من واجبه أن يرد التحية بألف تحية. فخرج الناس يهتفون “شعب واحد ، جيش واحد ” ويوزعون المأكل و المشرب على المارة ويقولون ” كرامه وسلامه” و في صلاتهم يدعون لهم بالنصر و الثبات، ويكتبون أسماءهم في قلوبهم ويتذكرون عثمان مكاوي واخوانه ، ويتسامرون الشباب ببسالتهم وتضحياتهم وخوفهم على حياة المواطنين.
الحرب كشفت لنا أننا شعب حي، لم يمت، وأن حب الوطن يسري في عروقنا، حتى وإن غطاه الغبار لفترة. فاليوم نعلم تماما أن وحدتنا ليست حلما بعيدا، بل واقع نعيشه عندما نجبر على التكاتف.
قد تكون الحرب محنة، لكنها أيضا لحظة صدق ومنحه. لحظة تذكرنا فيها أن هذا الوطن لا يحتمل أن نقسمه أو نتقاتل عليه. الوطن لنا جميعا، وسنحميه جميعا من أي شر داخليا او خارجيا، وسننهض به إذا وضعنا يدنا في يد جيشنا، ومضينا معا نحو فجر جديد، لا يسمع فيه أطفالنا دوي المدافع، بل اصوات الاذآن وهتاف وصياحات الفرحة بالسلام و الاستقرار .
(من يعي الدرس أولا لابد ان يكون الأول).