التداعيات القانونية لاستضافة كينيا اجتماعا لقوى التمرد السودانية
د. رجاء عبدالله الزبير الملك

التداعيات القانونية لاستضافة كينيا اجتماعاً لقوى التمرد السودانية
21/3/2025
على مدار السنوات الماضية لعبت كينيا أدواراً متباينة في القضايا الاقليمية مستفيدة من موقعها المحوري في شرق افريقيا وعضويتها في الهيئات الاقليمية كالاتحاد الافريقي،والهيئة الحكومية للتنمية (الإيقاد) ،وقد برزت كينيا وسيطاً فاعلاً في العديد من النزاعات، مما أكسبها نفوذاً دبلوماسياً واسعاً في المنطقة ،ومن ابرز أدوارها السابقة دعم جهود السلام في السودان ،إذ أسهمت في التوصل إلى بروتوكول مشاكوس عام 2002،الذي مهد لاحقاً لإتفاقية السلام الشامل بين الحكومة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان.
غير أن الدور الكيني في الأزمة السودانية الحالية أثار جدلاً واسعاً ،حيث أستضافت العاصمة الكينية نيروبي في 18 فبراير 2025، اجتماعاً ضم قياداتٍ من قوات الدعم السريع التي تخوض تمرداً مسلحاً ضد الدولة السودانية ،إلى جانب عدد من الحركات المسلحة المتحالفة معها، وقوى سياسية معارضة، وكان الهدف من هذا الاجتماع بحث سبل تشكيل كيان سياسي موازٍ للحكومة السودانية،وهو ما أظهر كينيا في موقف المنحاز بدلاً من لعب دور الوسيط النزيه.
تعد الخطوة التي سلكتها كينيا،من خلال دعمها لفصيل منشق ومتمرد على الحكومة الشرعية، وتوفير منصة لقوى مسلحة ،تسعى لإضعاف الحكومة المعترف بها دولياً بدلاً من دعم وحدة السودان، تدخلاً مباشراً في الشؤون الداخلية وإنتهاكاً صارخاً لسيادة الدولة السودانية ،في مخالفة صريحة للمواثيق الدولية والإقليمية المنظمة للعلاقات بين الدول، لأنه لا يقتصر على تهديد وحدة السودان فحسب،بل يساهم في زعزعة إستقرار المنطقة برمتها.
وفي ضوء هذه التطورات،يمكن للسودان إتخاذ إجراءات قانونية حاسمة أمام المحافل الدولية والاقليمية لمساءلة كينيا عن إنتهاكها لإلتزاماتها الواردة في الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب،الذي يؤكد إحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ،وهو ما إنتهكته كينيا بتآمرها وتواطئها بتقديم الدعم لقوى متمردة على الحكومة الشرعية ،فضلاً عن مخالفتها لاحكام البروتوكول الثاني لإتفاقيات جنيف المتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية.

الذي يمنع المساس بسيادة أية دولة أو مسؤولية أية حكومة في الحفاظ بكافة الوسائل المشروعة على النظام والقانون في الدولة أو الوحدة الوطنية وسلامة أراضيها، كما يحظر على الدول التدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة في النزاع المسلح أو في الشؤون الداخلية أو الخارجية للطرف الذي يجري النزاع على إقليمه.
علاوة على ذلك، خالفت كينيا أحكام بروتوكول عدم الإعتداء والدفاع المشترك في منطقة البحيرات الكبرى (ICGLR) الذي يمنع الدول الأعضاء من التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة ،كما يحظر أي نوع من الاعمال العسكرية أوالسياسية أوالاقتصادية ،أو أي شكل من أشكال الإكراه الموجهة ضد السيادة أو الاستقلال السياسي أو السلامة الإقليمية، ويمنع البروتوكول تقديم أي نوع الدعم، سواء المباشر أو غير المباشر للجماعات المسلحة التي تشارك في نزاع أو تحاول إحداث تغيير غير دستوري لإسقاط حكومة دولة أخرى،وذلك من أجل ضمان السلام والأمن والاستقرار والتنمية في منطقة البحيرات الكبرى.
إن موقف كينيا في هذه الأزمة لا يعكس حياداً دبلوماسياً،بل يفتح الباب أمام تدويل الصراع السوداني ،مما يؤدي إلى تعقيد الأزمة وزعزعة الأمن والإستقرار في المنطقة ،وفي ظل هذه التطورات يملك السودان خيارات قانونية ودبلوماسية متعددة لمحاسبة كينيا على تجاوزاتها، من بينها رفع شكاوى رسمية أمام الآليات الدولية والإقليمية المعنية،إلى جانب تفعيل المسارات الدبلوماسية للضغط على نيروبي للتراجع عن موقفها والإلتزام بمبادئ إحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.