
الحسد والعين شماعة الفاشلين.. ماذا قال علماء النفس
هموم وأحلام
وصل الحال بالموظف المصرفي المتميز (م) وكان يعمل بأحد البنوك السودانية العريقة لحالة أقرب من (الجنون) وذلك لأنه كان يعتقد ان كل مايحصل له من كبوات أو امراض بسبب العين والحسد، وكان قد شعر بداء الملاريا الذي استمر معه كثيرا فحدثته اخواته ان ذلك عين وحسد فأصبح يتجول بين الشيوخ ، وبعدها بفترة اصيب بكسر في يده أيضا اوهم نفسه بأن ذلك بسبب الحسد وساءت حالته واصبح موهوما بذلك
ولابد من العلاج وساعده اهله على ذلك واصبحوا شركاء في تدميره وفقدانه لوظيفته الكبيرة ، ومن ثم تدهورت حالته النفسية لايخرج من البيت ولا يتحدث لأحد.. وتنتشر مثل هذه الأفكار بين كثير من الأشخاص؛ حيث يرجعون كل ما يحدث لهم من سوء أو مكروه إلى “العين والحسد”، ويشغلون أنفسهم طوال الوقت فيه أكثر من انشغالهم بإنجازات تستحق أن يحسدوا عليها فعلاً.
مغيبة عن الواقع:
الشابة (رنا) باتت تنزعج من رفقة صديقة لها تعزو كل ما يحدث معها لـ”الحسد”، وقالت احيانا أشعر بأن صديقتي هذه مغيبة عن الواقع ولا تدرك ما الذي تقوله وأن هناك أسبابا ومعطيات حقيقية لما يحدث معها، قد تكون ناتجة عن إهمالها أو تهورها مثلا،
وبمجرد الإخفاق تسارع للإجابة فورا: يبدو أنني محسودة”! واضافت رنا أن التعامل مع هذه الصديقة بات أمرا مزعجا جداً، فقد أصبح الشخص يتردد في الكلام الذي سيقوله لها، حتى إن كثيرين حولها غدوا يخافون من مدحها أو الإطراء على شكلها أو ما تقتني خوفا من اتهامه بأنه حسدها عند حدوث مكروه.
كوارث ومآسي:
حالة (م) اعلاه تكاد تكون عند الأغلبية في مجتمعنا السوداني، هناك من لا تتزوج فتقول أنَّ عيناً أصابتها وسحر أحدهم فتك بها! واخرى تطلقت فتقول ان إحداهن صنعت لنا سحر تفريق لتبعدني عن زوجي!
وأخرى تبكي على الفيس بوك وترجو النساء أن لا يضعن صور أطفالهن على مواقع التواصل الاجتماعي لأنها وبسبب وضعها صور طفلها الصغير أصابه مرض السرطان، وأمثال هؤلاء الناس لا حصر لهم ولا عد، وحالات كثيرة سمعنا عنها عاشوا المآسي والكوارث بسبب سحر ملعونٍ أو عينٍ شريرة ولكن الله جعل لكل داء دواء.
اغبياء وحمقى:
أحد الطلاب رسب في الجامعة عدة مرات و قال محسود أصابته العين، في حين ان إخوانه الأربعة نجحوا بتقدير ممتاز وكانوا الأوائل وهو الوحيد المحسود الراسب لانه ترك الذاكرة وغاب عن الجامعة ، وبعض النساء الجميلات يغطين وجوههن من اهلهن خوفا من العين ، واخريات يخبين حملهن خوفا من العين ، والحقيقة أن الشيطان لعب علىهم، خاصة . أما الأذكياء والعباقرة فقد لعبوا هم على الشيطان وانتصروا عليه ونجحوا.
يعيشون الوهم:
لا شك أن الحسدَ حقيقةٌ لا مناصَ منها، وقد أثبت ذلك القرآن والسنة وتدخل فيه العين، والعين حق، لكن المشكلة أن بعضهم تلبّس به الوهم فأصبح يظن أنه مصاب بالعين في كل شيء فكلما أخفق وإذا فشل في عمله يقول انه مصاب بالعين من حسّاده.
وإذا رسب في دراسته، فالسبب شياطين الإنس، فهو عند نفسه عبقري لكن أعداءه منعوه من النجاح. وهذا الصنف من الناس ضحك عليهم الشيطان، وهم يعيشون وهماً لا حقيقة له، فأذكياء العالم من المسلمين وغيرهم بلغوا النجومية ولم يعيشوا هذا الوهم.
آخر الصف:
قال عائض القرني في إحدى كتاباته ان الشافعي وابن تيمية وابن خلدون وابن رشد وسقراط واينشتاين ونيوتن أجبروا التاريخ على أن يخلد أسماءهم، ولم يشتكوا من الحسد والعين. ولكن المرضى بوهم الحسد هم أشبه بما قال غوته: إن الدجاجة حينما تقول قيط..
قيط وتريد أن تبيض تظن أنها سوف تبيض قمراً سيّاراً». وكتب: رأيتُ الناجحين في مجتمعنا واثقين من أنفسهم قد شقوا طريقهم إلى المجد بثبات في كافة التخصصات، ولكن الأغبياء والحمقى بقوا في آخر الصف بحجة أن الحسد والعين أصاباهم ولم يصيبا غيرهم من اللامعين.
وسواس مخيف:
قال التربوي محمد عثمان أنا دائما ما أؤمن بوجود الحسد لكنني لو أصبت بشئ أو إذا اصابني شي أقول ما اصابنى من اخفاق من تلقاء نفسى او ربما تصرف خاطئ نتج هذا الخلل وقال اصادف بعض الاصدقاء او افراد العائله او بعض الاناس الذين تشعر من خلال حديثهم بوسواس مخيف جدا لتكرارهم انا محسود الناس تغار منى الكل يحسدنى وترى التمائم والعيون معلقه فى بيوتهم.
ناهيك عن من يضع حية البركة وغيرها من اشياء لا يقبلها المنطق والدين قد يكون ذكر بالفعل الحسد ووجوب التعويذه عنها لكن ليس بالقدر الذى ترى بعضهم ان انقطع حذاءه قال انا محسود وفلان حسدنى او تجد احدهن تنقطع حقيبتها قالت فلانه حسدتنى وهكذا اشياء وعقليات لا منطقية.
فوبيا الحسد:
قالت الباحثة الاجتماعية دولت حسن تحتاج بعض الأمور في حياتنا إلى علاجٍ جذري وفوري حتى لا تتفاقم الهواجس الخاطئة وتسيطر على أيامنا كلها وتتغلغل في أذهاننا مخلفّةً في رؤوسنا شوائب ورواسب تبقى عالقةً أبد الدهر في مخيلتنا ترفض المغادرة، .
وقالت أن يقف الإنسان مكانه دون حراك خوفاً من حدوث أمرٍ ما هي آفة تقتل وتدمّر المرء دون أن يشعر! واضافت ما يحصل تماماً مع الإنسان الذي يعاني من فوبيا الحسد! يخفي كل تحركاته وأفعاله هرباً من عيون الحاسدين ونظرات أعينهم التي لا ترحم، ويربط كل مصيبةٍ تحل عليه بالحسّاد يرمي فشله أو فشل على كاهل الحاسدين، يراهم شمّاعة يعلّق عليهم خساراته ونكباته، ليلعب دور الضحية.
مخاوف وظنون:
لا يمكننا بل لا يجوز أن ننكر وجود الحسد والغيرة والكيد واللؤم وغيرها من الطباع البشرية المريضة، وليس بوسعنا جزم عدم ثبوت أضرارها ومساوئها على خلق الله أجمعين لأنَّ الحسد ذُكر في كتاب الله في مواضع كثيرة أذكر منها: في قوله تعالى :(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
لكن أكثر الأشياء وجعاً أن يكذب الإنسان على نفسه! ويدعّي أن كل ما يصيبه هو بفعل العين والحسد، ويضيّع عمره بأكمله وهو سجين مخاوفه وظنونه. حيث يشير كثيرون بأصابع الاتهام إلى ما يسمونه “الحسد”، محملين إياه كل ما يصيبهم من سوء حظ أو إخفاقات في الحياة.
الهروب الوهمي:
بينما تسمي أستاذة علم الاجتماع نهلة حسن بشير تلك التصرفات بـ(الهروب الوهمي والمبررات الوهمية) في تحميل الأخطاء للآخرين والتعلق بأي سبب، مبينة أنه هروب من معالجة المشكلة وعدم التحضير الجيد والاستعداد الجيد لها، الى جانب أنه بعد عن الواقع والحقيقة وسببه ضعف الشخصية.
وتعتبر نهلة أن التنشئة الاجتماعية التي لا تعلم الأبناء تحمل المسؤولية والتعامل بعقلانية وفكر، بالاضافة الى أن التقليد الأعمى للأصدقاء والعائلة هو السبب في كل هذه الأوهام والخيالات البعيدة عن الواقع.
وتشير الى أن تقبل المجتمع لهذه المبررات والتفسيرات هو العامل الرئيسي الذي يشجع الناس على التمادي فيها، لوجود تقبل كبير من المجتمع لهذا النوع من المبررات وهم بحاجة كبيرة لمهارات تعديل السلوك ، واوصت بضرورة أن ينشغل الناس بعمل شيء يحسدون عليه فعلاً أفضل بكثير من أن يبقوا مشغولين بأن هناك من يحسدهم بشكل دائم