
وفي الوقت الذي توجه مدنيون إلى الحدود الشمالية للبلاد مع مصر للهروب من المعارك، توجه آخرون إلى ميناء بورتسودان الذي يقع على ساحل البحر الأحمر، والذي كان خيارا للعديد من الدول الأجنبية لإجلاء مواطنيها من خلاله.
ونفذت دول أجنبية عملياتها الخاصة لإجلاء مواطنيها سواء من خلال جسر جوي من خارج العاصمة أو عبر قوافل برية إلى بورتسودان حيث نقلتهم سفن إلى الخارج.
وأنهت معظم الدول الأوروبية جهود الإجلاء. وقالت روسيا الثلاثاء إنها أجلت 200 من مواطنيها.
المواطن السوداني، عبدالله الفاتح أحد سكان العاصمة قال لوكالة أسوشيتد برس بعد أن وصل لبورتسودان “أصبحت أجزاء من الخرطوم فارغة”، مشيرا إلى المعارك حاصرتهم لمدة أسبوعين ولكن جميع سكان الحي الذي يسكنه غادرا الآن.
رحلة عبدالله وعائلته إلى الميناء لم تكن سهلة واستغرقت 20 ساعة، وبعدما وصلوا وجدوا آلافا بينهم النساء والأطفال يخيمون خارج الميناء، بعضهم هناك لأكثر من أسبوع ويواجهون أوقاتا صعبة بسبب نقص الطعام والخدمات الأساسية.
ووجد بعض السودانيون مكانا لهم في مساجد أو فنادق الأحياء المجاورة للميناء.
طارق عبدالحميد واحدا من بين حوالي 2000 سوري موجودين في بورتسودان يأملون في مغادرة البلاد، وقال إنه كان من المقرر أن تقلع رحلة جوية متجهة إلى دمشق الثلاثاء وعلا متنها 200 شخص معظمهم من النساء والحوامل والمرضى.
وحتى الآن تم إجلاء 200 سوري منذ بداية الصراع في السودان، بينهم 35 شخصا غادروا على متن سفينة كانت متجهة إلى جدة.
وقال المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي لشرق إفريقيا، مايكل دانفورد “الخطر هو أن هذه لن تكون أزمة سودانية فحسب، بل ستكون أزمة إقليمية”.
قوافل حافلات، مراقبة عبر استطلاع جوي، أوصلت مواطنين أميركيين موجودين في السودان خلال عمليات الإجلاء الجوية والبرية بسبب المعارك التي تدور بين القوى العسكرية في البلاد.
وأضاف لوكالة رويترز إن بورتسودان، التي فر إليها آلاف الأشخاص من الخرطوم سعيا للإجلاء من البلاد، هي نقطة دخول رئيسية للمساعدات بالنسبة للعديد من البلدان في المنطقة.
وأكد “إذا لم نوقف القتال، إذا لم نوقفه الآن، سيكون التأثير على مجال العمليات الإنسانية هائلا”.
ولقي مئات حتفهم جراء القتال فيما تبادل الجانبان اللوم في انتهاك سلسلة من اتفاقات وقف إطلاق النار.
واستخدم الجيش القوة الجوية ضد قوات الدعم السريع المتوغلة في مناطق سكنية بالخرطوم، مما ألحق أضرارا بأجزاء من العاصمة وجدد اندلاع الصراع في إقليم دارفور في أقصى غرب السودان.
دول الجوار وأزمة إقليمية
قال مسؤولون في الأمم المتحدة الثلاثاء إن الحرب في السودان أجبرت 100 ألف على الفرار عبر الحدود.
ويخاطر الصراع بمواجهة كارثة أوسع في وقت تتعامل فيه دول الجوار الفقيرة مع أزمة لاجئين ويعيق القتال تسليم المساعدات في بلد يعتمد ثلثا سكانه بالفعل على بعض المساعدات الخارجية.
ويسعى آلاف السودانيين للخروج من البلاد عبر الحدود سواء مع مصر أو تشاد أو جنوب السودان. وحذرت الأمم المتحدة الاثنين من أن 800 ألف قد ينزحون في النهاية بمن فيهم لاجئون يعيشون في السودان بشكل مؤقت.
وعلى الحدود مع مصر، حيث عبر أكثر من 40 ألفا خلال الأسبوعين الماضيين، أدت التأخيرات إلى انتظار اللاجئين لأيام قبل السماح لهم بالمرور بعد دفع مئات الدولارات لخوض الرحلة شمالا من الخرطوم.
يوسف عبدالرحمن، طالب جامعي سوداني، قال إنه وعائلته دخلوا مصر عبر معبر أشكيت في وقت متأخر الاثنين، مشيرا إلى أن رؤية العديد من العائلات والأطفال والمرضى وقد تقطعت بهم السبل على الطرق الصحراوية من دون طعام وماء مؤلمة جدا.
وتحدث عبدالرحمن لوكالة أسوشيتد برس عما شاهده من دمار ونهب واسع النطاق في الخرطوم، مشيرا إلى أن قوات الدعم السريع استولت على منازلهم، ويعتقد أنهم محظوظون لأنهم تمكنوا من المغادرة قبل اقتحام منزلهم، وقال “كان يمكن أن ينتهي بنا المطاف كجثث الموتى”.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن القاهرة ستقدم الدعم للحوار في السودان بين طرفي الصراع لكنها أيضا حريصة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية.
وحذر في مقابلة مع صحيفة يابانية الثلاثاء من أن المنطقة بأسرها قد تتأثر.
وقال المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة بول ديلون، في مؤتمر صحفي الثلاثاء، إن ما بين 900 إلى 1000 شخص يصلون يوميا إلى الحدود مع إثيوبيا، فيما عبر ما لا يقل عن 20 ألف شخص الحدود مع تشاد.
ووصل أكثر من 27 ألف شخصا إلى جنوب السودان وفقا لأرقام المفوضية، كما فر نحو 8900 شخص إلى إثيوبيا بينهم 750 إثيوبيا و870 سودانيا فقط، فيما عبر حوالي 6000 آلاف لاجئ حدود إفريقيا الوسطى، ووصل حوالي 550 شخصا إلى ليبيا.
وكان السودان يستقبل 1.1 مليون لاجىء قبل اندلاع المعارك الضارية الأخيرة مما جعله أحد البلدان المضيفة الرئيسية في إفريقيا.
وبين هؤلاء 800 ألف من جنوب السودان و126 ألف إريتريا و58 ألف إثيوبي، ويعيش هؤلاء بشكل أساسي في مخيمين شرقي السودان.
وكان هناك 3.7 مليون نازح في السودان معظمهم في غرب دارفور.
المساعدات الإنسانية
وذكر برنامج الأغذية العالمي الاثنين أنه سيستأنف العمل في الأجزاء الأكثر أمانا في البلاد بعد تعليق العمليات مؤقتا في وقت سابق من الصراع الذي قُتل فيه بعض موظفي البرنامج.
وتنتظر إمدادات المساعدات التابعة لوكالات إغاثة أخرى والتي وصلت إلى بورتسودان فتح ممر آمن إلى الخرطوم، وهي رحلة عن طريق البر تمتد لمسافة 800 كيلومتر تقريبا.
وعلى حسابها في تويتر، أكدت منظمة أطباء بلا حدود في السودان أن فرق الطوارئ التابعة لها “بدأت في الوصول إلى السودان لإطلاق أنشطة استجابة طارئة وإدارة الأنشطة القائمة أساسًا في عدة مواقع”.
وأرسلت المنظمة “عشرة أطنان من الإمدادات الطبية المنقذة للحياة إلى مستشفى جبرة لمعالجة المصابين في الخرطوم، وذلك بتعاون وثيق مع وزارة الصحة”.
ودعت المنظمة الدولية جميع أطراف النزاع إلى “ضمان احترام المرافق الصحية وحمايتها”، واصفة الوضع بأنه “حرج” في البلاد.
وتعمل 16 في المئة فقط من المنشآت الصحية في الخرطوم ولكنها تعاني من نقص في المستلزمات وكوادرها الطبية منهكة، بحسب منظمة الصحة العالمية.