المقالات

الروائية أميمة عبدالله:حسين خوجلي.. ميرغني إدريس 

هذان السيدان... شكراً لهما 

الخرطوم _ تسامح نيوز

بعض المحطات القديمة نلتفت لها وداً صادقاً وإمتناناً جميلاً، نستدعيها لأنها فترة كانت مضية ساطعة في مسيرتنا، محطة نلتفت إليها كلما تقدمنا، في حياة كلُ منا قدرٌ جميل ورمز رفيع لا ينساه أو شخص ما أخذ بيده فأراه نفسه الخبئية عنه و اكتشف معه مهاراته .

اضأ له عتمته البعيدة في الزوايا، إستخرج منه لؤلؤا ما ظنه موجوداً، ثم أنه من بعد ذلك وهبه عصارة سنينه وتجاربه وخبرته الحياتية، أساتذة كانوا أو قادة أو مدراء أو رفقاء درب

وفي مسيرتي أشرقتُ أكثر بشموس مضيئة رفعتني درجات، سرت بها في دربي بثبات، على أيديهم تعلمت وارتقيت مقاماً ليس في مجال العمل فحسب بل في مجال الحياة كلها.

شمسان سأحملهما شرفا وعهداً وسيرة ، يصعب أن أقدم أحدهما على الآخر وضوء الشمس ينتشر دفعة واحدة.

ظهرا في حياتي والفرق بينهما عدة سنين، ولكي أبرئ ذمة جمائلهم التي على عاتقي شكرتهم على الملاء، علّه حق الوفاء يصل، وكلُ منهما شمسٌ لحاله

قبل أكثر من خمسة عشر عاما ألتقيته وقتها كان شمسا ومازال رغم خذلان السنين لنا، وصار وسما من بعد ذلك في حياتي ، في البلاد هو ليس أسما عابرا، بل نجما ساطعا في الذاكرة السودانية أو هو الذاكرة السودانية في سطوع سنواتها، وكما أننا نذكر مع السودان الطيب صالح و مع السيرة العطرة للصحابة عبدالله الطيب، بحر اللغة العربية.

ومع اللون واللوحة والفضاء حتما الصلحي ومع الغناء سرور، أسماءُ ترحل مع التاريخ ولا ينقطع ذكرها، لا نذكر السودان إلا وهي مقترنة به، كذلك هو نذكره وهو الذي يحتفظ في ذاكرته بحكايات و قصص وأنساب وأشخاص وتاريخ مدن ومناسبة كل قصيدة غُنت وتسلسل العوائل وتاريخ الحكومات و وقائع الأحزاب السياسية ومؤتمرات تحالفاتها وفضائح إنفضاضها وتاريخ نشأتها وعادات و أعراف مكونات مجتمعنا وحروبنا و نكسات البلاد .

عندما نقول الاستاذ فنحن نعني حسين خوجلي رجل الكلمة والبراعة والفلسفة والتاريخ ، ذاكرة السودان التي تحفظ الوقائع كما هي، تعلمت منه الحديث كيف يُقال ومواقع الوصف الصحيح لكل شئ، وكيف تستمع وكيف تفاوض وكيف تنسحب حال الضرورة، و كيف تتغافل و تتجاوز ، وعبر المساء، إذاعته تعملت كيف أدير حوارا سياسيا أو ثقافيا أو حول قضايا المجتمع.

ومن خلال أُنسه وحكاياته وذكر الأمثال وإستدعاء ماضيهم و أيامهم أشتد عودي للعامة والحياة، كان يقول مذكراً، لا تجلسي على المدرجات لمشاهدة الحياة كما المباراة، أنزلي الملعب وعيشي الحياة كاملة ، تنساب النصائح منه كما قطرات المطر على أرضي فُيزهر قلمي بالكتابة، وهو يقول : للناس حكاياتهم الخاصة و أسرارهم لذلك نحن نجتهد ألا نخوض فيها و نبتعد وذلك افضل

أختصر ليّ سنوات البداية وغرس في طريقي المعالم نحو المعرف، لم يكن أستاذ حسين خوجلي يدخر ما يعرف لنفسه أو لخاصته بل كان للجميع وكل من إقترب منه نهل من الجانب الذي يحتاج، حقق هو كذلك حلمة بانشأ مؤسسة إعلامية رصينة، وجدت فيها الأذن السودانية المتعة والمعرفة و السمر ، عبر قناة أمدرمان وإذاعة المساء، الإذاعة التي أخذت موقعها المميز كما ينبغي لها.

الأسماء نذكرها ونُبقيها عندنا حية ونسقيها بالود ما بقينا وكان هو أحد الشموس التي سطعت في حياتي، وغيرت الكثير مما أحمل في قلبي و وجّهتني في اتجاهات لولاه لما عرفتها .

ومع المحطات ننزل ونصعد، نلتقي ونفارق، نكتب ونمسح ونتهيأ لمقامٍ جديد فنرتفع . وعلى يدي بعضهم يتحقق حلمنا، حتى أننا لا نصدق، وفي سنيني الثلاثة الاخيرة كان حلمي يتحقق كما كنت أراه في خيالي و أرسمه، وما ظننت يوما أنه يمكن أن يكون، لكنه تحقق على يديه ولمست سماء ما عشت أحلم به طوال سنين، وكان حلم حياتي معرفة بلادي كما باطن كفة يدي وزيارة بقاعها من أقصى غربها حتى شمالها حتى شرقها.

زيارة مدنها وبواديها وقراها و ساحلها وجبالها،و معرفة أهلها والقرب منهم والعيش أيامٍ رفقتهم وكانت حياتي في السفر، و حلمي في رفقة الغرباء، زرت بثقته كردفان الغرة كلها ودارفور الخير وبلاد الساحل و الغربان وكسلا وتوتيلها والنيل الأزرق وسهولها الخضراء الماتعة، عندما أصبح مديراً لمنظومة الصناعات الدفاعية وضع ثقته فينا.

، نحن السيدات، وسمح لنا أن نتقلد مناصبا ما تقلدتها امراة من قبل داخل منظومة الصناعات الدفاعية، و كان نصيبي إدارة المسؤولية المجتمعية، وكانت حياتي في السفر ومساعدة الناس، وتصميم المبادرات المجتمعية كل ولاية ما يناسب مواردها المحلية، أتاح ليّ مساحة تحقيق ما صممناه من خطط، رافقنا في بعضها و سمح بتمويل كل مشروع مجتمعي رفعناه،

وهو تاريخ المؤسسة الذي سيظل حافظا للسيد ميرغني إدريس سليمان قدره وتواضعه وعفة يده وقلبه الكبير وهي الفترة العملية التي إكتسبت فيها ما فاتني من خبرات وظيفية وتعلمت فيها من خلال ثقته العظيمة المضي قدما لتحقق مشروعات مجتمعية في ولايات عارض البعض ذهابي إليها أشاروا إلى عدم جدوى ما أفعل.

إلا أنني في النيل الأزرق لم ازرها بل كدت احفظ شوارعها و مبانيها من تكرار ذاهبي ونجاح مشروعاتنا هناك ومخيماتنا العلاجية ، كانت متابعته مباشرة لمباردات المرأة الريفية وفي تصميم حلول لقضايا المجتمعات الواقعة تحت دائرة الاذئ، والبلاد كلها الآن في دائرة الأذئ، تحت إدارته اكتسبت الإقدام وجراءة البدء في مشروعات ما سبقتنا عليها مؤسسة.

عرفت الناس عن قرب وزرتهم في بيوتهم وخيامهم وعروشهم ورواكيبهم، عرف البلاد وقدر التنوع فيها وصبر علينا ونحن نشرح ما نريد ،عرفنا عنده هدوء الكلام وحسم القضايا بقليل التوجيهات الحاسمة وإنشراحة الملامح عند الملمات وبعض القادة يعلقون في الذاكرة العملية حتى وإن فارقناهم زمن ولم نلتقيهم

وكان السيد رفيع القدر وفي العهد الوطني كريم الأخلاق ميرغني إدريس سليمان قائد المؤسسة الوطنية الرائدة على الإطلاق هو شمسي الثانية ومثله تتشرف به المؤسسات ومن يعمل معه ينال الشرف.

شكرا لكما وشكراً لقدري الجميل الذي جعلني أعمل مباشرة معكما، وسأظل أحفظ الود والعهد ما بقيت.

 

الروائية أميمة عبدالله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى