أخبارالمقالات

الصادق الرزيقي يكتب: نقابة النقش على الماء!

تسامح نيوز – الخرطوم

المثير للسخرية .. أن إحتجاج بعض النشطاء و ثلة من الصحفيين المسيسين ، علي قرار مسجل تنظيمات العمل بالسودان بعدم قانونية و شرعية أجراءات تأسيس نقابة للصحفيين السودانيين ، لا يقوم علي أساس موضوعي ، و لم يُستند فيه علي صحيح القانون و داحض اللوائح السارية ، فهو إحتجاج أشبه برقصة هياج طائشة خارج حلبة التدابير السليمة و المعايير الدقيقة الواضحة لتأسيس نقابة . .
من يسعون لقيام نقابة لاذوا بنص ليس في صالحهم لو أحسنوا قراءته عن حماية حق التنظيم النقابي ضمن مواد الإتفاقية ( 87 ) لمنظمة العمل الدولية التي إنضم إليها السودان في العام 2021 م، و جاءت محاولتهم مبتسرة في تفسير مواد هذه الإتفاقية التي يستوجب الإلتزام و العمل بها عدم التعارض مع القانون الوطني .
و الغريب حقاً أن هذه الإتفاقية و الحث علي توقيعها ، لم يكن من رغبات حكومة الفترة الإنتقالية برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك ، توجد قصة طريفة حولها فعقب حل الإتحادات المهنية و إتحاد عام نقابات عمال السودان ، حضر إلي الخرطوم وفد يضم منظمة العمل العربية و منظمة العمل الأفريقية و المكتب الإقليمي بالقاهرة لمنظمة العمل الدولية 2020م ، وغرض الزيارة موضوع حل الاتحادات والاجتماع برؤساء الإتحادات و الجهات الحكومية المعنية بالأمر .
خلال إجتماع مشترك بفندق السلام روتانا يوم 13يناير2020م، بين الوفد الزائر و رئيس الإتحاد العام لنقابات عمال السودان المهندس يوسف عبد الكريم و عدد من رؤساء الإتحادات المهنية بينهم رئيس الإتحاد العام للصحفيين السودانيين ، جري نقاشمثمر حول قرارات الحل الذي أُعتبر قراراً سياسياً يتعارض مع القانون الوطني و الاتفاقيات و العهود الدولية ، و لمعالجة الوضع آنئذ مع الحكومة و حث الحكومة علي وقف إجراءاتها طلبت وفود منظمة العمل الدولية في نقاشها مع الوزيرة لينا الشيخ جعفر أن يوافق السودان بالتوقيع علي الإتفاقية 87 بجانب إتفاقيات أخري لمنظمة العمل الدولية ، و الوزيرة موقنة في ذاك الإجتماع بضرورة إيجاد حل لتجاوز تلك الحالة في ذلك الوقت … و تعد موافقة السودان علي تلك الاتفاقية ثمرة من ثمرات النقاش الجاد بواسطة الاتحادات التي تم حلها .
و يمثل الإحتجاج بهذه الاتفاقية (87) في حالة ما يسمي بنقابة الصحفيين ، جهلاً فاضحاً بمقتضاها و ما يترتب عليها ، و تفسيراً ساذجاً لمفهوم حرية العمل و و التنظيم النقابي ، فمنظمة العمل الدولية لا تدعو إلي تأسيس نقابات خارج إطار القانون الوطني ، و الاتفاقية ليست عوضاً عن أي قانون وطني ، و لا تدعم المنظمة قيام نقابات و هيئات ومنظمات عمالية بعيداً دائرة المشروعية القانونية في البلد المعني ، بيد أنها تسعي لتتوافق قوانين البلد المعني مع الإتفاقيات و العهود الدولية الموقع عليها، و لن تكون المنظمة بأي حال من الأحوال طرفاً يهب ما يسمي بنقابة الصحفيين المزعومة شرعيتها لو خالفت قوانين البلاد السائدة .
يخلط الزملاء أيضاً ، بين أمرين مختلفين ، فالمباديء العامة و سمات و نصوص إتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بحرية تنظيم العمل النقابي ، تشير إلي أن النقابات و الإتحادات حرة في وضع نظامها الأساسي و لوائحها و حشد عضويتها و من تنتخبه في هياكلها المحددة دون تدخل أو تأثير من السلطات الوطنية ، لكن كل ذلك يتم تحت مظلة القانون الذي ينظم عمل الإتحادات والنقابات و كيفية تسجيلها ، منعاً للتنازع و إحكاماً للمسؤولية القانونية و تكييف وضع هذه الكيانات في إطار القانون .
و تقوم جهة قانونية بتنظيم تسجيل هيئات و منظمات العمل النقابية ،و تشرف كجهة محايدة علي إجراءات تسجيلها و تشهد إجازة نظامها الأساسي و لوائحها بما لا يتعارض مع القانون و المعايير المتبعة ، و تشرف كذلك لجنة برئاسة قاض علي العملية الإجرائية للإنتخابات لضمان نزاهتها و خلوها من أي شبهة .
فحرية التنظيم للعمل النقابي يجب أن تفهم في سياق واضح ، هو أن لا تتدخل أي سلطات حكومية في هذا العمل إذا إستوفي معاييره القانونية ، في ذات الوقت يكون لابد من ضمان سلامة إجراءاته و موافقتها القانون و مراعية لضوابطه.
أما الأمر الثاني المختلط علي (هو قد لا يكون قد خطر علي أذهان ما يسمي باللجنة التمهدية للنقابة المزعومة ) أن عملية التنظيم الذاتي لنقابات الصحفيين التي توجد أمثلة لها في بعض بلدان أوروبا و بعض البلدان الأخري ، هي عملية ليست خارج حلبة القانون في تلك البلدان ، لما يترتب علي تكوين النقابات و الإتحادات من مسؤوليات مهنية و قانونية مالية و حقوق و واجبات .
فالمثير للشفقة هو تبني رأياً غريباً باللجوء إلي معاهدات و إتفاقيات دولية و و تفسيرها وفق الهوي و إستخدامها في مواجهة القانون الوطني ، و من يحاولون تبني رأياً من هذا النوع سيقعون تحت طائلة القانون و سيكون حصادهم الهشيم الذي تزروه الرياح ، فالخطل بائن من الإجراءات العوجاء المعيبة ابتكوين لجان للإنتخابات و إدارة العملية من الألف إلي الياء ، تتحكم فيها جهة واحدة مسيسة تخالف المتعارف عليه و يينكر لحقائق الأشياء و للقانون.
توجد مؤسسة واحدة تمثل الصحفيين هي الإتحاد العام للصحفيين السودانيين الذي تأسس منذ العام 1946م و أخذ مشروعيته عبر العهود المختلفة تحت مسمي ( إتحاد / نقابة ) وفقاً للقانون الموجود أياً كان مسماه و الذي ينظم قيام النقابات و الاتحادات و لا يقيدها مهما كانت الاعتبارات السياسية و الأوضاع القائمة .
عندما تم حل الإتحاد بقرار سياسي بواسطة ما تسمي بلجنة إزالة التمكين في ديسمبر 2019م ، لم يتم إلغاء قانون تنظيم الاتحادات المهنية لسنة 2004 و تعديل 2010 م ، م و لا قانون الصحافة و المطبوعات عام 2009م ، و لم تقم ما تسمي ب(حكومتي الثورة) برئاسة عبد الله حمدوك و (قحت) المسيطرة علي السلطة ، بإلغاء القوانين المنشئة للإتحادات المهنية أو إجراء تعديلات علي قانون الصحافة للعام 2009م ، و ظل النزاع قائماً حيث رفضت الاتحادات و إتحاد عام نقابات عمال السودان قرارات الحل و دفعت بمذكرات قانونية و دعاوي قضائية أمام المحاكم . و ناهضت الحل و الإلغاء و ظلت تمارس مهامها رغم مصادرة دورها و ممتلكاتها و إغلاق حساباتها المصرفية و تعطيل مصالح منسوبيها و عضويتها .
في رصيد الإتحاد العام للصحفيين السودانيين إنجازات ضخمة تتمثل في المدن السكنية الصحفية في ولاية الخرطوم ، و مشروعات التأمين الصحي و تمليك السياراتو التمويل من المصارف بجانب التدريب و تنمية المهارات و القدرات و فرص الدراسات العليا ، بحل الاتحاد ضاعت مكاسب للصحفيين و تعطلت أعمال و ضاقت الارض بما رحبت علي الصحفيين و توقفت أهم واجبات الإتحاد المتعلقة السجل الصحفي .
هذه الخطوة الداعية لقيام نقابة .. دعوة منبتة لا تقف علي رجلين ، و باطلها ظاهر ، و نقصانها بائن ، و عوجها شاخص ، و سجل عضويتها مزور ، و وعدها مكذوب .. فإرادة الصحفيين أقوي من أن تسرق و تمس و تصادر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى