
المهندس مجذوب هاشم يكتب: موقف وإرادة البرهان من التحول الديمقراطي
م. مجذوب هاشم.
في هذه الأيام نشهد عددًا من التطورات على ساحة المشهد السياسي السوداني، وتجاذبات من هنا وهناك ما بين معارض ومؤيد لطرف على حساب الطرف الآخر، وبعد كل ذلك ما زالت الحرب مشتعلة في أجزاء كبيرة من البلاد، وجميع من في المشهد السياسي غير آبهين بأمر المواطن الذي دفع فاتورة هذه الحرب وما زال.
المشاهد لحالة الغليان التي تحدث هذه الأيام على الساحة السياسية يجد أنها تتشكل من عدد من المدنيين والمؤسسة العسكرية. سنذهب في محور حديثنا عن المدنيين أو السياسيين الذين أصبحوا ينقسمون إلى أربعة أقسام: قسم مؤيد للمؤسسة العسكرية، وقسم مؤيد للدعم السريع، وقسم ما زال محايدًا بعد انقسام تقدم بقيادة حمدوك، وقسم من الإسلاميين.
جميع هؤلاء هم من يقع على عاتقهم تشكيل الإطار العام للممارسة السياسية في السودان بعد نهاية الحرب. وللأسف، لا يوجد بينهم أي قواسم مشتركة من حيث الرؤى لمستقبل السودان السياسي، فكل يملك رؤيته الخاصة التي تكرس وتؤسس لبرنامجه السياسي بعيدًا عن الآخرين. وهذا أحد أسباب مشاكل السودان المتمثلة في ممارسة الإقصاء، بالإضافة إلى عدم استشعار المسؤولية للقيام بالدور المنوط بالسياسيين منذ الاستقلال، الأمر الذي جعل الدولة ترزح تحت وطأة الحكومات العسكرية منذ الاستقلال.
ما قاد الدولة إلى عدد من الحروب بسبب المظلوميات التي أدت إلى فصل الجنوب، وربما تؤدي إلى فصل أجزاء أخرى إذا لم يكترث الجميع ويستشعروا المسؤولية الوطنية التي تحتم عليهم العمل معًا من أجل وحدة السودان ومعالجة مشاكله السياسية، ومخاطبة جذور هذه الأزمات بكل تجرد وزهد في السلطة.
يجب أن نتعاون جميعًا لبناء وطن معافى، يشق طريق التنمية بدون مشاكل اجتماعية وحروب، ونؤسس لدولة المواطنة والحقوق المتساوية. ويقيني أن لهذا ضريبة يجب دفعها بواسطة السياسيين بمختلف أطيافهم، وكذلك العسكريين.
ما سبق، يعد مدخلًا عامًا لما سأقوم بطرحه من حل حسب وجهة نظري. ومن متابعتي للأحداث، نجد أن من أسباب المشكلات السياسية عدم التعامل بواقعية مع الراهن والمشاكل السياسية، بالرغم من وجود طيف كبير من السودانيين، بما فيهم تيار من الإسلاميين، يؤمن بالتحول الديمقراطي.
وبالرغم من أن الهدف واحد، نجد أن الوسائل مختلفة وتتقاطع فيما بينها. هذا بخلاف استسهال بعض السياسيين لمسألة التحالف مع العسكريين ودعمهم للوصول للسلطة، وذلك لنفس الاعتبارات التي يستخدمها العسكريون في تسلطهم على السلطة من خلال شرعية المؤسسة العسكرية.
إذن يجب علينا تشخيص المشكلة وتحديدها بدقة لنصل إلى حل أمثل يضمن لنا فك ارتباط المؤسسة العسكرية بالسلطة. ويتم ذلك من خلال مخاطبة مخاوف الجنرالات وطموحاتهم السلطوية. ومن خلال متابعتي لحديث بعض السياسين التمست أن العديد منهم لا يقرؤون الواقع بصورة شاملة تتيح لهم استخدام الأدوات المناسبة لتحقيق أهدافهم.
فيما يخص صراعهم مع الجنرالات من أجل السلطة، نجدهم يتحدثون عن أدوات للمقاومة مثل التدخلات الخارجية، والشارع، والضغط عن طريق الانتهاكات بتأليب المجتمع الدولي ضد المؤسسة العسكرية وتجريمها. وهذا نهج متبع من طيف كبير من السياسيين. لكن في هذا التوقيت من التوهان أن نعول على مثل هذه الأدوات، لأن طبيعة المشكلة لا تشبه تجاربنا السابقة.
علاوة علي الدعم الشعبي و الالتفاف الشعبي الكبير الذي حظيت به المؤسسه العسكريه جراء الحرب المستعره الآن و تغير عدد من مواقف ابناء الشعب تجاه قضيه التحول الديمقراطي و اصبحوا لا يرون منها طائل كما لا يعتقدون في انها المخلص للشعب السوداني من أتون الحروبات و الصراعات الاجتماعيه الناتجه عن حل المشاكل و المظلوميات بالقوه
فيما سبق استعرضنا أهم أسباب المشكلة وتداعياتها وانعكاساتها على الواقع، لنذهب بعد ذلك ونسمّي الأشياء كما هي. ولا يختلف اثنان على أن للبرهان طموحًا في السلطة، بالرغم من عدم امتلاك الرجل لرؤية واضحة لإدارة البلاد وحل مشاكلها، كما ليس له لون سياسي واضح. ويُعد ذلك أحد أهم الأسباب التي أدت إلى فشل السياسيين في أداء دورهم في إنجاح الفترة الانتقالية السابقة، وبعد ذلك فشل انقلاب البرهان على المدنيين وفشل الاتفاق الإطاري، وتحولنا 180 درجة.
وذلك بسبب الآراء المتطرفة المتمثلة في عدم الواقعية من كل أطراف المعادلة. فكل طرف يرى مصلحة السودان من منظوره الضيق. لذلك علينا وضع جميع المعطيات نصب أعيننا والعمل على تفكيك الواقع بشيء من التجرد، وسد الثغرات التي كانت سببًا رئيسًا في فشل جميع المشاريع السياسية السابقة. يجب أن نستصحب هذه التجارب للاستفادة منها في المستقبل.
كما لا يفوتني أن أذكر أنه لا يوجد نموذج في العالم يمكن إسقاطه لحل مشكلة السودان، حيث إننا لا نشبه إلا أنفسنا. وما انطبق على الآخرين لا ينطبق علينا. مشاكلنا أكثر تعقيدًا، ولا يمكن التعويل في حلها على أدوات مثل المجتمع الدولي. فنحن أصحاب المشكلة، وجحا أولى بلحم ثوره.
هذه رسالة لبعض النخب السياسية التي تعول على الضغط الخارجي لحل المشكلة وتستخدم ذلك كأداة من أدوات الحل، متجاهلة أن ذلك يعقد المشكلة ويزيد من تمسك العسكر بالسلطة. كما يتم وصفهم بالعمالة وتسويق ذلك للبسطاء من أبناء شعبنا.
لسنا هنا بصدد انتقاد موقف احد او النيل من احد او التكسب من وراء ذلك او الدفاع عن احد فالجميع في نظرنا شركاء و ان اختلفت نسبة تأثيرهم علي صناعة هذا الواقع علاوة علي كونك ان تنظر للاشياء و انت خارجها قد يجعلك تري المشهد بصوره واضحه ربما تكون اوضح من نظره من هم بداخله ما يمكنك من فهم المشهد و يقودك لتفكيكه و ايجاد نقاط القوه و الضعف لكل طرف لتكون بعد ذلك مدخلا لحل واقعي و مرضي لجميع الاطراف فنجد من ذلك ان تعامل القوي السياسيه مع الازمه معيب من ناحيه التعويل علي ادوات ربما اصبحت في غفلة منك ادوات لخصمك و ما زلت انت تعول عليها و تعتبرها ادوات فاعله.
يمكن تقود الي نتائج مختلفه و ربما تحول هذه المره بينك و بين هدفك و بالتالي تضعف دورك كما حدث في فترات سابقه و خير مثال مواقف معظم القوي السياسيه في هذه الحرب و قبل اندلاعها ايضا و لا يمكننا الجزم بأنها كانت علي مسافه واحده من الطرفين او انها تعبر عن رأي السواد الاعظم من السودانين
سنتدرج و نواصل في الحديث عن المشاكل و مسبباتها و المعضلات التي حالت دون تحيق الانتقال الديمقراطي اهما عدم توفر الاراده الكافيه لدي العسكرين و هذا هو السبب الرئيس و يمكن ربط هذه النقطه بأهم مشاكل السودان و هي مشكله تعدد الجيوش و يستخدم تعدد الجيوش كإستراتيجيه لخلق التوازنات العسكريه و السياسيه في السودان و ذلك للتكريس للمشاريع السياسيه التي لا تحظي بدعم شعبي او سياسي و تبحث عن ما يمكنها من الاستئثار بالسلطه لاطول فتره ممكنه دون تحقيق الحد الادني من التمثيل السياسي لاصحاب المصلحه الحقيقين ،
و التمثيل و الامتيازات في هذه النمازج يكون مرهون بحجم بندقيتك و استخدمت هذه الاستراتيجيه في فتره حكم البشير و في فتره البرهان و تحالفه مع الدعم السريع اضافه الي الآن لا تزال مستمره و يعول عليها البرهان للاستمرار في السلطه و لا شك في انها تعقد المشهد و تجعل خيوط الحل متشابكه و يصعب حلها لتعدد اطرافها و تداخل مصالحهم مما جعل الجميع يتعامل معها كأمر واقع كما حدث مع الدعم السريع بعد سقوط البشير و نجد ان الدعم السريع يعتبر الآن خارج المشهد السياسي و ان وجد ليس بنفس الحجم السابق و لكن الفكره موجوده و اصبحت مسأله تعدد الجيوش سمه مصاحبه لكل مشاهد الانتقال السودانيه من يتحدث عن حل او استقرار في السودان في ظل تعدد الجيوش فهوا واهم
لذلك، أولى خطوات الحل تبدأ من هنا، حيث تعتبر مسألة إنهاء تعدد الجيوش مسألة مفصلية وملحة، وإن بدت صعبة، لكن لا بد مما ليس منه بدُُ و تعتبر مدخلًا مهمًا للحل ومن أهم المشكلات، علاوة على ذلك ايضاً أزمة الثقة بين الأطراف المختلفة، إذ تعد أحد التحديات التي تنسف جميع الترتيبات المفضيه لعمليه الانتقال الديمقراطي
لذلك، لابد من إشراك الشعب في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ السودان، وذلك بإستحداث أدوات فعاله تملك شرعية مثل تكوين مجلس تشريعي شعبي أو جسم عالي التمثيل، يتم فيه تمثيل جموع الشعب السوداني بكافة أطيافه و يعبر عن اشواق اصحاب المصلحة الحقيقين . ويتم تمليك المعلومات للشعب السوداني، وتتم جميع التحالفات والبرامج تحت الضوء ليكون الشعب السوداني شاهدًا على من يخالف إرادته.
رغم أن بعض النخب السياسية قد تتحفظ على مثل هذه الأجسام التشريعية والرغابية، ودائمًا ما تعارض قيامها وافراغها من محتواها، دون ذلك الإستئثار بها لعضويتها كما حدث في ملف المجلس التشريعي في الانتقالية السابقة، فإن هذه الخطوة تعتبر مهمة بالنسبة للشعب، وتحفظ حقوقه وحقوق كل المشاركين السياسيين في صياغة هذا الإطار، وتخاطب أهم مخاوفهم.
بعد هذه الخطوات، نأتي إلى أكبر تحدي، وهو تحدي إبعاد المؤسسة العسكرية عن الحياة السياسية. رغم أن الخطوتين السابقتين تصبان في اتجاه رفع أيدي المؤسسة العسكرية عن السلطة، فإن التحدي كبير في تنفيذ هذه الخطوة تحديدًا. ولا يمكن أن يتم ذلك إلا إذا توفرت الإرادة لدى العسكر أنفسهم.
ولن تتوفر هذه الإرادة إلا إذا تمكنا من مخاطبة مخاوفهم، المتمثلة في فقدانهم للسلطة. وهنا نخاطب البرهان بصفته الشخصية فالإطار السياسي للسودان ما بعد الحرب يحتاج لفترة انتقالية يتم فيها دمج الجيوش، وعمل الإعلان الدستوري وقانون الانتخابات. ويتطلب ذلك تكوين حكومة من التكنوقراط برئاسة رئيس وزراء مدني مع الإبقاء على المجلس السيادي بشكله الحالي، وإدخال بعض الإضافات مع بقاء البرهان على رأسه ورأس الدولة.
لتتكامل بعد ذلك جميع الأدوار لنصل لنقطة الانتخابات وإعطاء البرهان تطمينات فيما يخص إمكانية ترشحه كرأس للدولة في الانتخابات القادمة مع توفير الدعم السياسي له، وحثه على عمل تحول على المستوى الشخصي لتدشين مشروعه السياسي مستفيدًا من مجموعة السياسيين الملتفين حوله بالاضافه للتأييد الشعبي الكبير . كما يمكنه عمل تحالف مع قيادات الحركات المسلحة المندمجة سلفًا في القوات المسلحه ،
وتكوين جسم سياسي مدني يمكن أن يصبح حزبًا في المستقبل القريب، يتم العمل من خلاله على العودة للسلطة عبر بوابة الانتخابات . فهؤلاء طيف واسع يمكن أن يكون لهم كلمة في الانتخابات. ويمكن دعم الرجل للذهاب في هذا المنحى، وهو أفضل بكثير من التشبث بالسلطة في الوضعية الراهنة. ليكون كل ذلك بمثابة المكافأة له على إنجاحه للفترة الانتقالية، وإنجاز مهام الانتقال والتحول الديمقراطي. وذلك بعد أن يخلع بزته العسكرية ويترشح بصفة مدنية، وبهذا نكون قد ذهبنا في أول خطوة في طريق التحول الديمقراطي.
إن رأي البعض أن هذا ليس تحولًا ديمقراطيًا حقيقيًا أو أنه مشوه قد يكون صحيحًا إلى حد ما، لكن هذه تعتبر خطوة في الطريق الصحيح وأحد التنازلات التي يجب تقديمها. فالديمقراطية لا تأتي فجأة أو تنزل من السماء، لابد من التنازل. وفي كل فترة انتخابية، تتعافى الأجواء وينصلح المناخ الديمقراطي ويصبح ديمقراطيًا أكثر فأكثر.
فالبرهان يريد السلطة ونحن نريد دولة ديمقراطية، فلا ضير في ذلك. فالرجل لن يعيش أبد الدهر، وهذا من حقه إن أراد. والسبيل لذلك عبر الانتخابات أفضل من استخدام المؤسسة العسكرية للسيطرة على السلطة. اعطوا الرجل السلطة ليعطينا تحولًا ديمقراطيًا. غير ذلك، سنظل ندور في نفس الفلك انتقالية، انقلاب، حرب وهكذا.
قد يري البعض أن هذه الإجراءات غير فعالة أو غير مجدية، لكنها أقرب للواقع وتخاطب طموحات من كان هو سببًا في عدم اكتمال الانتقال في الفترات السابقة. وما ينطبق عليه ينطبق على من يليه من العسكريين إذا ما كان طامحًا في السلطة. يجب تحديد أدوات ذلك بدقة، وإشراك المجتمع الدولي كمراقب وليس كفاعل، كما حدث في الاتفاق الإطاري من إملاءات المجتمع الدولي.
يمكن أن يتساءل البعض عن مكان الإسلاميين والدعم السريع الإجابة هي أن الإسلاميين شأنهم كشأن السياسيين، يشاركون في صياغة هذا الإطار الذي يحدد بشكل كبير ملامح الفترة الانتقالية وما يليها، ويخاطب مخاوف الناس والفاعلين في المشهد. أما الدعم السريع، إذا ما انتقل معنا، فشأنه كشأن تعدد الجيوش. يجب دمج ما تبقى من جنوده بعد المحاسبة، أما من يمثلهم من أجسام مدنية، فهو يعتبر جزءًا من القوة المدنية.
لا شك أن هناك عددًا من المشاكل والملفات الأخرى، لكن ما تم تناوله هو أهم الملفات التي يمكن أن تقوض التحول الديمقراطي. ويمكن أن نذهب لأبعد من ذلك، فحدة الانقسامات أكبر من أي وقت مضى. ولكي تنجح هذه الإجراءات وتُرى النور، لا بد من توفر إرادة حقيقية لجميع الأطراف، من عسكريين ومدنيين، وعلو قيم التسامح والمصالحة وتقديم مصلحة السودان حتى نتمكن من وداع الحرب وأسبابها، ونبني نظامًا ديمقراطيًا يعبر عن جميع السودانيين، ودولة العدالة و المواطنه والحقوق المتساوية التي تقف على مسافة واحدة من جميع السودانيين.
نسأل الله أن يقدر لما و لبلادنا الخير!