المقالات

بابكر يحي يكتب : جبريل إبراهيم .. نحروه أم انتحر..؟!!

صفوة القول

لا أدر ما الذي اعتمد عليه جبريل إبراهيم في قراره الكارثي القاضي بتعويم الجنيه السوداني ؛ ولا أدر لماذا سار في إنفاذ (روشتة البنك الدولي) رغم سيرتها السيئة في كل البلدان التي طبقتها ؛ ولا أدر لماذا سار جبريل على نهج حمدوك في التحرير الاقتصادي ؛ ونهج حمدوك لا يحتاج إلى بيان ؛ فيكفه من الفشل ما تم في الفترة السابقة ؛ ويكفه من الفشل أن أصبح الدولار في عهده أكثر من ٤٠٠ جنيه بعد أن وجده أقل من مئة جنيه ؛ ويكفه من الفشل أن أصبح الناس يتسولون الطعام وقد وجدهم ينفقون في مشهد يعبر عن الكرم حتى في أيام اعتصام القيادة – في أسوأ أيام البشير ؛ فكيف لجبريل أن يسلك مسلك الفشل والبؤس والفقر ؛ ويفارق (مسارب الضي) ..!!

لا أدر لماذا أقدم جبريل على هذا القرار الكارثي الأخرق – فإذا كان لديه قليل من التأني لدرس تجربة معتز موسى وتحديداً فيما يتعلق بسعر الصرف فقد ابتكر معتز موسى ما يسمى بـ (آلية صناع السوق)؛ وأصبحت من بعد ذلك سخرية يتسامر الناس بأخبارها؛ ويضحكون عليها في الأسواق؛ وأصبح مسماها الرسمي( آلية صناع الوهم) ؛ الوهم في كونها تقرر فيما لا تملك ؛ فهي لا تملك دولارا واحدا ؛ ومع ذلك تجتمع كل يوم لتحديد سعره ؛ بينما كان من يمتلكون الدولار يتفرجون عليها ويضحكون !! ومن يرغب يلتزم بسعرهم على سبيل الاذعان ..!!

حاول معتز موسى أن يقرب المسافة بين الحكومة والسوق الأسود ؛ وطرح على تجار العملة أن ينخرطوا في تكوين صرافات تصدق لهم من بنك السودان مجانا ودون شروط ؛ فقط شرط الرغبة ؛ الرغبة في الاتجار بالعملة ؛ وحاول معتز موسى المستحيل في أن يقنع التجار بالفكرة فقط من أجل أن تصبح هناك جهة (شبه رسمية) تحدد الأسعار ؛ ويمكن مناقشتها على سبيل التنسيق وقد رفض الناس كل ذلك في موقف ليس له من تفسير واضح..!!

اليوم وبعد كل ذلك – يأتي جبريل ليعوم الجنيه مكررا (تجربة آلية صناع السوق) دون أن ينتبه لتلك المساوي ؛ فإذا كان جبريل يعتمد على المغتربين وتحويلاتهم فإنه راهن على السراب ؛ فالمغتربين لديهم تجربة معروفة فهم مع السعر الأعلى ؛ ولو زاد السوق الأسود قرشاً واحدا اتجهوا إليه ؛ ثم إنهم لا يجدون تشجيعاً من الدولة وكل سياساتها تجاههم ظالمة؛ ومجحفة؛ ومعيبة؛ لذلك يستحيل أن ينقذوها من عرق جبينهم..!!

وإذا كان جبريل يعتمد على الدعم الخارجي فإنه قد راهن على (سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء) ؛ فالدول الخارجية إذا أرادت أن تدعم عليها أن تستبق الخطوة على غرار ما حدث في مصر ؛ وإذا أرادت الدول الخارجية أن تدعم عليها أن تدعم بسخاء ؛ سخاء يهيئ البيئة المناسبة لأن (يسبح) الجنيه دون أن (يغرق) ؛ ولا بد من الإشارة إلى أن للمجتمع الدولي مع السودان تجارب جميعها فاشلة – (بخيلة، وكسولة) من لدن (مؤتمر أوسلو للمانحين) وانتهاء بمؤتمري اصدقاء السودان جميعها خرجت (جدولا لا ماء فيه) ..!!

أما إذا كان جبريل يراهن على وطنية الشعب السوداني واخلاصه لإنقاذ اقتصاد البلاد فإنه قد فارق الواقعية ؛ فالتجار الذين يبيعون ماشية السودان للمصريين فى الحدود بالجنيه السوداني ؛ والتجار الذين يهربون الذهب رغم أن سعره في السودان مربوطا بالبورصة العالمية ؛ والتجار الذين يخزنون البضائع من أجل الندرة ومن ثم الغلاء ؛ والتجار الذين يهدمون الوطن من أجل بناء عماراتهم – يستحيل أن يعتمد على وطنيتهم ؛ فوطنهم هو المال ووطنهم هو الثراء ؛ لذلك فإن الرهان عليهم هو رهان خاسر..!!

صفوة القول

لا أدر على ما اعتمد جبريل إبراهيم في قراره هذا وأتمنى أن يحدث ما لا نتوقعه – لأن المؤشرات التي يتحدث عنها الخبراء لا تنبئ بخير ؛ كما أن روشتة البنك الدولي مصممة على عامل مهم وهو عامل الوعي ؛ والوعي هو ما نفتقده وهو سبب كل أزماتنا ؛ ولم يحدثنا التاريخ أو الجغرافيا عن أمة نهضت بلا معرفة ؛ لا يمكن لأمة أن تنهض وهي عاجزة عن النظافة؛ أمة تعلق آمالها على شخص فاشل ؛ أمة خرجت ضد أشخاص وهتفت تمجد شخص كسول بلا أدنى شيئ وتعتقد إنه يعلم كل شيئ ؛ والله المستعان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى