
بين الحقيقة والمناورة.. تحالف دول البحر الأحمر… نهاية التراخي
د. محمد تورشين : التحالف فكرة سعودية من اجل ضمان امن البحر الأحمر
د. ناصر السلم: الحديث عن “حلف جديد” بين السعودية ومصر والسودان وإريتريا قد يكون توصيفًا جذابًا إعلاميًا، و لكن …
تلويح القاهرة إشارة ردع محسوبة ام مقدمة لإعلان تحالف جديد؟
تقرير ـ المحرر السياسي
فجأة تكشف ما كان يتم داخل الغرف المغلقة، الرياض تسقبل رؤساء اريتريا، قطر والسودان، تفاهمات جرت بعيدا عن اعين الاعلام ـ كعادة حكومة المملكة، ما يتم فى تلك الغرف يظل داخلها، لكن المؤكد هو ان تحالف جيوسياسى بدأت ملامحه تظهر، ما يجرى فى اليمن حيث تتحرك الامارات عبر مليشيات مدعومة منها تقترب لتطويق البحر الأحمر وهذا مالن يقبل به احد من تلك الدول ، وما يجري في السودان ايضا ليس بعيدا عن تهديد امن البحر الأحمر، اذن هل تشكل الحلف؟ وما علاقة ذلك بتلويح القاهرة باتفاقية الدفاع المشترك؟ تسامح نيوز طرحت السؤال على اهل الاختصاص.
فكرة سعودية.. الرياض تتحرك
يرى الباحث فى شؤون القرن الافريقي والازمات د. محمد تورشين فى حديثه لـ(تسامح نيوز)، ان التحالف فكرة سعودية ومنذ فترة طويلة،حيث سعت الرياض لتشكيل تحالف يضم دول البحر الأحمر، الدول العربية فى اسيا وكذلك الدول الافريقية من اجل ضمان امن البحر الأحمر والمعلوم تماما ان البحر الأحمر يشكل عمود التجارة العالمية، كذلك يشكل امن واستقرار المنطقة من بينها السعودية وعدد من الدول المطلة على البحر الأحمر.

نهاية التراخي:
ويواصل تورشين ،فى تقديرى هى خطوة اتت فى الوقت المناسب، السعودية بدأت تدرك الان ان التراخي والتساهل فى ادارة ملف اليمن اسهم الان بشكل او اخر فى تهديد الامن في السعودية بشكل مباشر، والان تعلم الرياض تماما ان التراخي فى ملف الحرب والازمة فى السودان، ربما يسهم فى الدفع بمليشيا الدعم السريع لتهديد امن الرياض من خلال سيطرته على مساحات على البحر الأحمر وهو ذات الامر بالنسبة إلى مصر التى لديها ذات المخاوف، الان اجتمعت جميع الاطراف، وتكون هذا التحالف من اجل امن البحر الأحمر، وكذلك للحد من تمدد مليشيا الدعم السريع.
الاتفاقية الغامضة.. مصر تلوح
ويمضي ذات محدثي د. تورشين بالنسبة لاتفاقية الدفاع المشترك التى لوحت بها مصر بعد نهاية زيارة الرئيس البرهان الى القاهرة ، ان مصر لديها مصالح خارج هذا الاطار وخارج هذا التحالف “البحر الأحمر”، لديها مصالح اخرى، بالتالي هو تلويح الغرض منه ارسال رسائل لكل الاطراف الداعمة للمليشيا وكذلك للمليشيا نفسها واعتقد ان الخطوة المصرية جاءت متاخرة،
التحديات والتهديدات الامنية كانت كبيرة فى الوقت المناسب لم تكن حاضرة، لذا اعتقد حتى الآن لم ندرى ماهو بنود الاتفاقية وما هى التحديات الجديدة التى دفعتها لاعلان حديثها هذا، هل هناك اتفاقية سرية بين القاهرة والخرطوم، لم يتم الكشف عنها، ام انها خطوة بشان التحضير لاتفاقية جديدة، كل هذه القضايا لم تكن واضحة، ربما فى مقبل الايام ستظهر ملامحها.
توصيف اعلامي جاذب:
فى المقابل يرى المدير التنفيذي لمركز فوكس لدراسات السياسية والاستراتيجية فى السويد د. ناصر السلم، ان الحديث عن “حلف جديد” بين السعودية ومصر والسودان وإريتريا قد يكون توصيفًا جذابًا إعلاميًا، لكنه لا يلتقط جوهر ما يحدث بدقة ،والأدق أننا أمام “اصطفاف أمني مرن “يتشكل على مراحل حول البحر الأحمر، لا “حلفًا” بالمعنى التقليدي الذي يفترض إعلانًا رسميًا وميثاقًا موحدًا وقيادة مشتركة والتزامات تلقائية.

هذا الفرق مهم لأن الدول الأربع تتحرك ضمن بيئة شديدة الحساسية، وتفضّل التنسيق القابل للتوسع على الالتزام الصريح الذي يقيّد الحركة ويستفز أطرافًا دولية وإقليمية أخرى لها حضور ومصالح في البحر الأحمر.
ما الذي يدفع هذا الاصطفاف؟
ويلفت سلم ،الى العامل الحاسم هو أن البحر الأحمر لم يعد “ملف ملاحة” فقط، بل صار ملف سيادة وردع واقتصاد في آن واحد.ويقول ان تطورات اليمن رفعت مستوى المخاطر من اضطراب عابر إلى قدرة مستمرة على الضغط على حركة الملاحة عند باب المندب، وهو ما جعل أي دولة تعتمد على سلامة هذا الممر (السعودية) أو على قناة السويس وعوائدها (مصر) ترى أن “إدارة المخاطر” لم تعد تكفي، وأن المطلوب هو منع “انكسار بيئة الأمن البحري نفسها”.
تلويح القاهرة إشارة ردع محسوبة ام مقدمة لإعلان تحالف جديد؟
ويواصل ذات محدثي د. سلم ،انه و في المقابل فإن الحرب في السودان خلقت نوعًا آخر من الخطر: فراغ سيادي على ساحل طويل في لحظة إقليمية تتنافس فيها قوى متعددة على الموانئ ونقاط الارتكاز وخطوط الإمداد غير النظامية. حين تجتمع تهديدات اليمن مع هشاشة الساحل السوداني، يصبح البحر الأحمر “منظومة واحدة”؛ أي خلل في طرفيها ينتج ضغطًا على كامل الممر.ضمن هذا التصور، يمكن فهم تصريحات القاهرة الأخيرة والتلويح باتفاقية الدفاع المشترك مع السودان بوصفها إشارة ردع محسوبة أكثر من كونها مقدمة لإعلان تحالف جديد.

عندما تُعرّف مصر وحدة السودان ومؤسسات الدولة كخط أحمر، فهي لا تخاطب الداخل السوداني وحده، بل ترفع الكلفة السياسية لأي طرف يراهن على فرض وقائع جديدة تمس تماسك الدولة أو تعيد تشكيل السيطرة على الساحل أو الموانئ. والأهم أن الإشارة إلى اتفاق الدفاع المشترك تجعل الرسالة أقل “خطابة” وأكثر “قابلية للتفعيل” من حيث المبدأ، مع ترك مساحة واسعة للغموض في كيف ومتى—وهذا تحديدًا هو جوهر الردع: رفع الكلفة من دون ربط النفس بسيناريو تدخل محدد.
لكن لماذا تظهر السعودية وإريتريا في خلفية هذا المشهد؟
ويوضح د.سلم ردا على ذلك،أن السعودية تنظر إلى أمن البحر الأحمر بصفته جزءًا من أمنها الاقتصادي والاستثماري واللوجستي، أي أنها معنية بتثبيت بيئة استقرار على الضفتين، لا بحماية الملاحة ظرفيًا فقط. ومن هنا يبرز السودان—حتى وهو هش—كحلقة لا يمكن تركها تتحول إلى “ساحل رخوة” يتسرب عبره التهريب أو تتموضع حوله قوى غير دولية.
أما إريتريا، فدورها—إن صح التعبير—ليس دور “تحالفات مُعلنة”، بل دور رافعة جغرافية وأمنية صامتة: ساحل حساس، موقع قريب من مسرح باب المندب، وقدرة على التنسيق الهادئ بعيدًا عن الضجيج. لذلك فإن إدخال أسمرة في قراءة “اصطفاف البحر الأحمر” لا يعني أنها ستوقّع غدًا على ميثاق جديد، بل يعني أنها تُحسب داخل معادلة ضبط المجال البحري والساحلي عندما تتجه المنطقة نحو ترتيبات أكثر صرامة.
مجرد تقاسم أدوار:
ويمضى نائب مركز فوكس،انه وبهذا المعنى، يصبح ما يتشكل “أمامنا أقرب إلى تقاسم أدوار” ضمن شبكة: مصر تضبط سقف الردع الاستراتيجي المرتبط بقناة السويس والتوازن جنوبًا؛ السعودية تعمل كمحرك استدامة سياسي/اقتصادي لأمن البحر الأحمر؛ السودان هو الساحة الحاسمة التي يجب منع انهيارها الساحلي والمؤسسي؛ وإريتريا توفر قيمة جغرافية وأمنية يمكن توظيفها في مراقبة المجال وتقليل الاختراقات.
هذا النوع من الاصطفاف لا يُعلن بسهولة لأنه يعتمد على “العمل عبر القنوات” أكثر من “العمل عبر الشعارات”، ولأنه يريد تجنب كلفة إعلان محور صريح في منطقة تعج بالحضور الدولي.
كيف نعرف أن هذا مسار يتبلور فعلاً وليس مجرد تقاطع عابر؟
ينوه سلم ، ان المؤشر ليس التصريحات وحدها، بل تحوّل البحر الأحمر إلى ملف يُدار بمنطق “المنع” لا “الاستجابة”: أي انتقال الدول من رد فعل على كل حادثة إلى بناء خطوط حمراء، وتنسيق أكثر انتظامًا، وربط واضح بين الحرب السودانية وأمن الممرات.
في هذا السياق، تصبح تصريحات القاهرة إحدى أدوات بناء البيئة الجديدة: إعادة ترسيم حدود المسموح سياسيًا وأمنيًا في السودان وعلى ساحله ضمن تصور أوسع لاستقرار البحر الأحمر.وينبه د. سلم، أن الحديث عن “حلف رباعي مكتمل” سابق لأوانه، لكن الحديث عن اصطفاف قيد التشكل واقعي ومسنود بمنطق المخاطر.
وتلويح القاهرة باتفاق الدفاع المشترك يمكن قراءته داخل هذا الاصطفاف باعتباره خطوة لرفع الردع وتوحيد إدراك التهديد، لا بوصفه إعلانًا عن محور صدامي جديد. نحن أمام تحالف بالوظيفة لا بالاسم، وبالمصالح لا باللافتات—وهذا غالبًا ما يكون أكثر قدرة على الاستمرار في مناطق شديدة التعقيد مثل البحر الأحمر.





