
جعفر عباس يكتب: شهدت نقلات وطفرات
نودع سنة 2024 غير آسفين على رحيله، على أمل ان نشوف الجديد في العام الجديد، وصحيح انها شطبت من أعمارنا، ولكن نحن أولاد بُكرة، وشبعنا وقرفنا من البكاء على الأطلال، شخصيا كل ما يهمني في أمر كل عام جديد هو أنني حي و”أفرفر”،
والحياة نعمة، وبحمد الله عبرت من القرن العشرين الى الحادي والعشرين، وأسطر الآن كلماتي هذه على كمبيوتر (سنة يا أنا)، وغرفتي مضاءة بأنوار النيون الساطعة التي يسميها أهلي نايلون، كما يسمون البلاستيك “تبِخ”، ووعاء البلاستيك باقة، وباقة الورد “باغة”.
وتركت خلف ظهري لمبة الجاز وعراقي الدمور وعطر فلور دامور “الرخص٧ الأرياح//ويا قسم الريد فوقك النبي/ وسهر الجداد لي وحدي”، وبالمناسبة فكما ان السودان صار يتقدم الى الخلف على أيدي أبنائه العاقين فقد ظل ذوقي الموسيقي ينتكس حتى انحدر من قمم وردي وأبو داوود والكاشف ورفاقهم الى قيعان عشة الجبل وبنت القلعة وعوضية عذاب وعلي كبك، فصرنا جميعا ننشد “كلك واري اللو”
يا سلام: انتقلنا من الراديو الى التلفزيون أبو قنبورين ثم الدش، ولكن وكلما تقدمت التكنولوجيا تدهور الذوق العام؛ ومع هذا فأنا حامد وشاكر لأنني شهدت نقلات كبرى وانتقلت من على ظهر حمار الى متن طائرة ايرباص، ومن كراسة الحساب ام مربعات صغيرة الى جداول أكسيل،
ومن وضع ورقة على ظهر صينية ملساء لكتابة الرسائل بقلم الكوبيا الى الإيميل وواتساب وتلغرام، وبعد ان كنت اكتب في تلك الرسائل “إن الجواب نصف المشاهدة”، صار بإمكاني مشاهدة من اراسله “لايف” وأكلمه شفاهة، ولولا خوفي من “العين” لسودت عشرات الصفحات لتسجيل ما شهدته من طفرات
نحن الجيل الذي كان من علامات تجاوز مرحلة الطفولة عنده ركوب العجلة (الدراجة) والقيام بها سداري (المقصود صداري فنحن نسمي الصدر سدر)، وقطعنا آلاف الكيلومترات على ظهور اللواري و”أوع تلين يا اللوري ونزلنا في الكاملين يا اللوري.. دو دو بي”،
وركبت قطار مشترك الأبيض عشرات المرات وكنا نعرف موعد صلاة العصر في كوستي عندما يطلق القطار صافرته، وهو عند منعطف الاستاد (كان اسمه دار الرياضة)، فقد كان ذلك زمان الانضباط في تصريف كل الأمور، وبص وشوف كنا وين وبقينا وين.
اعتبر نفسي محظوظا لأنني شهدت الطفرات الكبرى التي مرت بها البشرية خلال العقود الأخيرة، فما أسعدني وأنا شاهد على العصر مرابطا في سن ال39 سعيدا بعيالي الأربعة وحفيدين، وأسأل الله ان يمد في أيامنا جميعا ونشهد عودة السلام والأمان الى بلادنا
سيظل حلم حياتي أن أتقاعد، وأقعد على كرسي قماش أمام بيتي في بحري في العصرية، وحولي اثنان أو ثلاثة من الجيران أرباب المعاشات وأمامنا صينية شاي بلبن ولقيمات و”متين يا ربي تاني تلِمَنا؟ قريب يا ربي ان شاالله تلمنا