
حرب السودان بين انتصار الإنسانية وصراع القيم والأخلاق
هنيئاً لأبناء الشعب السوداني على الإنتصارات التي تحقَقت؛ فالحروب دائماً ما تكون اختباراً حقيقياً للأخلاق والقيم الإنسانية ،وعادة ما تٌظهر المواقف العصيبة معادن الشعوب الحقيقية ،وقد قدم ابناء الوطن للعالم نموذجاً ملهماً في نضالهم وصمودهم أمام عدوان ميليشيا الدعم السريع ومعاونيها ،مؤكدين أن الإرادة القوية قادرة على الصمود في مواجهة التحديات.
لاشك في أنَ الحرب الدائرة حالياً في السودان تُعدً من الصراعات الاكثر تعقيداً في التاريخ الحديث، نظراً لحجم الدمار الهائل وتأثيرها على الملايين من السكان المدنيين ،حتى باتت أزمة استثنائية لا يمكن مقارنتها بغيرها من الحروب ،كما يُعزى ذلك إلى ما ترتكز عليه مليشيا الدعم السريع في عملياتها العدائية على دوافع عرقية وعقائدية ،كل تلك العوامل خلقت واحدة من أسوأ الازمات الانسانية في العالم
لقد سطر أبناء الوطن أروع نماذج التضحية والفداء ، مجسَدين أسمى معاني الوحدة الوطنية في الدفاع عن الارض والعرض،ووقفوا بشجاعة الى جانب قواتهم المسلحة واضعين مصلحة الوطن فوق كل اعتبار ،كانت هذه الروح الوطنيةً التي توحدت في وجه الظلم والعدوان الحصن المنيع الذي حطم أطماع ميليشيا الدعم السريع المتمرَدة،وقد غابت عن تلك الميليشيا القيم واخلاقيات الحرب المنصوص عليها في الشرائع السماوية والقوانين الدولية والوطنية،واختبأت خلف ستار مسرح عمليات عسكرية جائرة.
وينبغي للاطراف المتحاربة الإلتزام بالقواعد المستمدة من التعاليم الإسلامية والقانون الدولي الانساني المتضمنة على أحكام توفر الحماية للاشخاص المدنيين والمقاتلين الذين القوا أسلحتهم وأصبحوا عاجزين عن القتال من التعرَض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية.
فهذا حق وخلق توافقت عليه بلا إستثناء الشرائع السماوية والمواثيق الدولية المنطبقة في زمني السلم أو الحرب على السواء ،فقد نصت المادة (5) من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان ،والمادة (7) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على عدم جواز تعريض احد للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة .
وقد أكَدت أيضاً إتفاقيات القانون الدولي الإنساني المعنيَة بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية هذا المبدأ ؛وذلك في أحكام المادة (12) من إتفاقيتي جنيف الاولى والثانية (المعنيتين بحماية الجرحى والمرضى والغرقى في الميدان والبحار) ،
والمادتين (17،89)من من إتفاقية جنيف الثالثة (المعنية بحماية أسرى الحرب )،والمادة (32) من إتفاقية جنيف الرابعة (المعنية بحماية المدنيين) كذلك المادة (75) من البروتوكول الإضافي الاول (المطبَق في حالات النزاعات المسلحة الدولية) ،فضلاً على ما ورد في أحكام المادة (3) المشتركة من إتفاقيات جنيف الاربع السالف ذكرها والمادة (4) من البروتوكول الإضافي الثاني (المطبق في حالات النزاعات المسلحة غير الدولية).
ويجدر التنويه بمفهوم التعذيب الوارد في إتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أوالعقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة لسنة 1987، والتي اكدت بعدم جواز تعذيب ايَ شخص لاي سبب،وعدم جواز التذرع باية ظروف إستثنائية أيا كانت سواء في حالة حرب أو تهديد او حالة طوارئ لتبرير التعذيب .
علاوةَ على ذلك،يقع على عاتق الاطراف المتحاربة واجب الالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني والقوانين الوطنية،ذات الصلة بحماية حقوق المحتجزين وعدم جواز تصفيتهم او معاملتهم على نحوٍ غير إنساني ،وحظر التنكيل بجثث الموتى وعرضها في وسائل الاعلام إحتفالاً بالنصر ،مع ضرورة إتخاذ التدابير اللازمة لدفن الموتى بطريقة لائقة،ولا يجوز الإستناد إلى القاعدة الفقهية التي تنص على أن “الضرورات تبيح المحظورات”لتبرير إنتهاك القواعد التي تضبط سلوك المتحاربين ،فاذا كنا مضطرين الي خوض الحروب فإن اهتمامنا الاول يجب ان يكون بالعمل على تخفيف المعاناة الناجمة، عنها واحترام اخلاقياتها.
وتقع المسؤولية الاساسية لحماية المدنيين على عاتق القوات المسلحة النظامية بوصفها الجهة الرسمية الممثلة للدولة، والتي تعمل تحت مظلة القوانيين الدولية والوطنية ،كما تتحمَل ميليشيا الدعم السريع المسؤولية بشكل مباشر وفقاً للمادة الثالثة المشتركة من إتفاقيات جنيف ،ويحق للقوات المسلحة وفقاً لاحكام المادة (3) من البروتوكول الإضافي الثاني من إتفاقيات جنيف، الاستعانة بدعم عسكري خارجي بالتنسيق مع بعض الدول للحفاظ على الامن القومي وسيادة الدولة لانها تمثل السلطة الشرعية للدولة السودانية.
وعليه فان إلتزام الاطراف المتحاربة بضوابط القانون الدولي الانساني يشكل ركيزة اساسية لحماية حقوق الانسان ،لانه يفرض قواعد تهدف للحد من معاناة المدنيين وتوفير الحماية للمحاربين الذين توقفوا عن المشاركة في القتال ،بما يقلل من وحشية الحروب ويسهم في تحقيق العدالة كما يحمي الجنود من المساءلة القانونية الدولية والوطنية.