المقالات

 حيدر معتصم يكتب :  السودان – أفغانستان… دروس بالمجان

حوارات حول الأفكار…( 75)
فيما يبدو الآن أن السودان هو أكثر دولة في العالم معنية بشكل مباشر بما يحدث في أفغانستان من تحولات مثيرة على مدار الساعة و إنعكاساتها و مجريات أحداثها وردود أفعالها السريعة و بشكل غير مسبوق في تاريخ العالم على المستويات السياسية و الإجتماعية والأمنية و الإقتصادية و أولى هذه التحولات و أكثرها تأثيرا في المشهد على  السودان و غيره هو بيان تأكيد و صدق تنبؤات كثير من المفكرين و العلماء والباحثين الغربيين بأن الحرب الدائرة في العالم فيما بعد الحرب الباردة و إنهيار الإتحاد السوفيتي و منظومة الدول الإشتراكية وحلف وارسو هي حرب هوياتية بإمتياز و هي صراع أو صدام حضاري و أن السياسة الغربية التي بنت إستراتيجياتها و بالمراهنة على تغيير هويات و قيم الشعوب الأخرى وثقافاتها عبرالعالم لصالح الثقافة الغربية و قيمها عن طريق الليبرالية والرأسمالية والسوق الحرة و نشر الإنحلال المجتمعي القائم على مبادئ الحرية الشخصية هي سياسة فاشلة و غير ممكنة أصلاً و ستخسر الدول الغربية الرهان في نهاية الأمر نتيجة لإختلالات كبيرة تنتاب الثقافة الغربية نفسها في مناهجها الفلسفية بالإضافة إلى أن عملية تغيير أو إقتلاع الإنسان من جزوره الثقافية أمر بالغ التعقيد و غير ممكن أصلاً فهاهي الشعوب تعود إلى جذورها و الدول الغربية نفسها أصبحت منقسمة إلى تيارين تيار يقوده العلماء و المفكرين و الباحثين يدعوا بالعودة إلى قيم الفضيلة و الأخلاق و الأسرة المحافظة و يستند هذا التيار على نظريات و بحوث علمية تتناقض و تصطدم بشكل مبشر بأصول و ثوابت الحضارة الليبرالية و يحاول هذا التيار بأن يفرض نفسه إستناداً على البحث العلمي و المنطق و قراءة التاريخ بشكل مختلف و ينمو هذا التيار بشكل متسارع في مجابهة تيار آخر تقوده رؤس الأموال و الشركات عابرة الغارات و أصحاب الأموال و يحاول بقدر الإمكان وقف تمدد  التيار الآخر عن طريق السيطرة و التحكم في السياسيين و الإعلاميين و وسائل الإعلام المختلفة و نجوم السينما و الموسيقيين و غيرهم والإغراق في الإغراء والإباحية و الوقوف خلف التشريعات والقوانين التي تقودها منظمات دولية و محلية تجرم و تشيطن التيار الآخر حفاظاً على مصالحه الآنية و طموحات رواده الشخصية دون النظر لمآلات ما تفرزه تلك التوجهات على مستقبل الدولة الليبرالية التي لا محالة ذاهبة إلى حتفها طال الزمان أم قصر.
ثاني هذه التحولات الكبرى و المهمة التي ينبغي أن يتعلم منها أهل السياسة في السودان هي ما يشهده العالم من تبدل في التحالفات والمواقف و مايدور من حوار بين الدول بصورة غير مسبوقة فإذا كانت الصين و أميركا تتحاوران حتى على مستوى الملفات الإستراتيجية المرتبطة مباشرة بالأمن القومي و إذا كانت إيران تحاور إسرائيل سراً، و إذا كانت الإمارات تحاور تركيا و قطر سراً و إذا كانت أميركا تحاور طالبان و روسيا و إذا كانت إسرائيل تحاور حماس عبر وسطاء  و إذا كان العالم في حالة حوار و تبدل في المواقف من أجل المصالح الوطنية فإن ذلك دليل ناصع يدل بما لايدع مجال للشك بأن لا حلول للمشاكل و الخلافات مهما عظمت إلا عبر الحوار، فإذا كان الحال كذلك من خلال التجربة العملية المشاهدة فما الذي يمنع أهل السودان من أن يجلسوا ويتحاوروا و ما يجمع بينهم أكثر مما يفرق لو وضعوا الوطن أمام ناظريهم و تحرروا من كثير من عصبياتهم الأيدلوجية و القبلية و الجهوية و الطائفية و غيرها.
ثالث الملفات التي تهم النخب السياسية السودانية فيما يتعلق بملف أفغانستان هو ملف طالبان نفسها و لننظر لها و نتعلم منها و هي تتعامل مع ملف الداخل الأفغاني و هي تقدم المصلحة الوطنية و تدير ظهرها لكل غبائنها و مراراتها و تجلس ثاني يوم من دخولها كابل و هي منتصرة دون أن تطلق رصاصة واحدة تجلس  مع أعداء الأمس بحثاً عن مصالح شعبها و إستقرار وطنها.
رابعاً : وضح جلياً من خلال حرب دارت رحاها على مدى عشرون عاما بين طالبان من جهة و أمريكا و حلف النيتو من جهة أخري، وضح جليا أن الإعتماد علي الذات هو الطريق الوحيد لتحقيق الذات و إستقلالية القرار و أن العالم يحترم فقط من يحترم نفسه و مقدراته مهما كانت متواضعة و لا يحترم من لايحترم نفسه مهما كان يملك من قدرات.
لايفوت على فطنة القراء أن ما ذكرناه من نقاط يرتبط إرتباطاً مباشراً بحدث خروج أمريكا و الغرب من أفغانستان و تداعياته  الفكرية و الأمنية و السياسية و الإقتصادية و غيرها و لا يرتبط بأي حال من الأحوال بما ستؤول إليه الأحداث من بعد ذلك في حالة نجاح طالبان في إدارة الأزمة أو عدمه… نواصل
29أغسطس 2021

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى