المقالات

د.سامية علي تكتب : القبلية.. الجهوية ..الحزبية .. هل تخمدها مبادرة التسامح ؟!!

صدى الاحداث

في خضم الاحداث المتلاحقة التي تشهدها البلاد على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والامني ، نرى ونلحظ ان ثيمومتر القبلية بدأ يرتفع بعد ان انخفض قليلا في فترة من الفترات ، كانت قد انصهرت فيها تطلعات الشعب السوداني في بوتقة حب الوطن والانتماء الى السودان الكبير ، الا انه في الآونة الاخيرة بدأ شبح القبلية يطل برأسه من جديد وبقوة ، ويأخذ اشكال كثيرة ومتعددة .
ونذكر جيدا كيف بدأت لعنة المشاحنات القبلية تشتعل بمناطق عديدة في غرب وشرق السودان ، وكانت قد خمدت هذه الجذوة بل تلاشت تماما وعادت الحياة طبيعية بين القبائل وساد الحب والوئام بين ابناء القبيلة بل وبين قبيلة واخرى ،
مارد المشاحنات القبلية انطلق من جديد ، وتطورت الاوضاع الى صراعات دموية راح ضحيتها العشرات من الابرياء (لاتفه) الاسباب لا ترتقي ان تتسبب في اراقة دماء او حتى اشهار السلاح في وجه ابناء المنطقة الواحدة ، نذكر ان هذه الاحداث حدثت في وقت متقارب واشتعلت كالنار في الهشيم ، في كسلا وبورتسودان وفي دارفور وكان الصراع الاقوى بين قبيلتي الفلاتة والرزيقات التي راح ضحيته (20) قتيلا وعدد من الجرحى .
تم اخماد هذه الحرائق الخلافية بين القبائل ، الا انه يبدو انها اطلت بثوب جديد ووجه غير المتعارف عليه ، وجه يمكن ان نسميه وجه (المناطقية) او بما عرف ب(التيارات) وهو نوع اشمل واوسع من حيز واطار القبلية ، فربما يحوي (التيار) قبيلتين او اكثر فمثلا تيار الشمال يشمل قبائل (الشايقية ، الجعليين ، المناصير) تيار الوسط يشمل عدد من القبائل بمنطقة الوسط وكذلك مناطق الشرق وهكذا .
ظهر هذا النوع فور توقيع اتفاق جوبا للسلام حينما لم تجد هذه المناطق حظها في الاتفاقية ، سواء في جانب السلطة او الثروة او حتى الامتيازات التي نالها ابناء من وقعوا على الاتفاقية في القبول بالجامعات ، اتقدت جذوة (الغيرة) المناطقية فلجأوا الى ذات الاسلوب الذي أتى بمن وقعوا على الاتفاقية ، فكونوا تيارات سياسية حاولوا ان يلفتوا بها انتباه الحكومة الانتقالية ، بانهم لا يقلون اهمية عن من وقعتم معهم اتفاق يضمن لهم المشاركة في الحكومة بشقيها السياسي والتشريعي ، او السيادي والتنفيذي .
بدأت هذه التيارات ترتفع نبرتها وتعلي من صوتها بقصد لفت الانتباه ، فكما قال ظريف المدينة ان حال البلد كالأم التي لديها الكثير من الابناء لا تستطيع تلبية طلباتهم كلهم الا انها تلتفت للذي يرتفع صوته بالبكاء والصراخ فتهرول له تلبي طلبه اسكاتا لصراخه ، وكذلك الحكومة الان هى رهن من يرتفع صوته عاليا اما بحمل السلاح او اشهار سلاح القبلية فتهرول الحكومة له لتلبي طلبه .
اذن نحن امام اوضاع مأزومة تسود كل السودان ، كانت في السابق منحصرة بمناطق محدودة (غرب السودان) الا انها بدأت تتمدد لتشمل كل بقاع السودان ، فكيف الخروج من هذا المأذق ، الوضع يحتاج الى حنكة وحكمة من الحكومة بحيث تنظر للامر بعقلانية وتضع حلولا اكثر تعقلا ، عليها ان تنظر لكل ابناء الشعب السوداني بمنظار العدالة والمساواة ، فلا تعتمد مبدأ حمل السلاح اواشهار سلاح القبلية منهجا لها سيما في تقسيم السلطة والثروة ، فالكل هنا متساوون في الحق العام ، الفيصل فقط هو الكفاءة والمؤهل ، فلا يوضع شخص في منصب لانه من قبيلة ما ، او انه من منطقة حملت السلاح ناصبت الحكومة العداء فسعت(الحكومة) لارضائها مقابل ان تضع سلاحها .
فان لم تعمل الحكومة معيار الكفاءة والبعد عن القبلية والمناطقية وارضاء من حملوا السلاح فانها ستدور في فلك الترضيات وستتسع هذه الدائرة وتتعمق وتنهار اركان وثوابت هذا البلد وتغبر في هوة سحيقة ، الامر ليس سهلا بل يحتاج الى بذل جهد كبير ليس من الحكومة فقط ، بل ينبغي ان يشارك فيه عقلاء المجتمع ببث الوعي ونزع فتيل الاحقاد الاجتماعية بين ابناء الوطن الواحد ونشر روح الوطنية بان السودان يسع الجميع دون فوارق طبقية او قبلية او مناطقية ، وفي ظني ان مبادرة التسامح والسلام المجتمعي قد بدأت مشوارها من هذا المنطلق وقد قطعت شوطا بعيدا حيث وقع على ميثاقها العديد من الاحزاب والطرق الصوفية والحركات المسلحة الموقعة على السلام ، وعدد من التيارات المناطقية ، والميثاق يدعو الى نبذ القبلية والعنصرية المذهبية ، العنصرية السياسية والعنصرية الجهوية ، ومن يوقع عليه يتعاهد على تطبيقه ويبشر به بين افراد المجتمع ، وطالما وقع عليه هؤلاء فاننا نتوقع ان تخمد جذوة القبلية والمناطقية والفوارق الطبيقية والحزبية ، فقط على الحكومة ان تسد كل الثقرات وتضع وتنفذ معيارا عادلا في جانب السلطة والثروة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى