
في أواخر العام ١٩٩٣ وصلني تقرير عن مخطط أمريكي لتقسيم السودان لخمس دويلات صغيرة.. ذلك في إطار المشروع الأمريكي المستهدف وحدة أراضي الدول العربية والإسلامية فسلمته لدكتور نافع مدير الأمن يدا بيد .. من جانبه وضع د. نافع خطة لتكوين اتحاد يضم جميع مديري أجهزة أمن ومخابرات الدول العربية والإسلامية.. وما درى أن بعضهم يصلي غربا ويستخدم أوراق التواليت طهارة.. عوضا عن الماء الطهور ولم يتبق له إلا لبس الصليب ( لعن الله منصبا يزيغ صاحبه عن الحق) .
أواخر سنة ٢٠٠٢ عزمت حكومة الرئيس/ عمر البشير وحركة تمرد جنوبي السودان بقيادة العقيد د. جون قرنق ديمبيور على الانخراط في مفاوضات سلام نفياشا .. حينها كان الجيش السوداني منتصرا ومن تبقى من قوات التمرد لاذ بالأراضي الأوغندية والكينية. أي أن نظام البشير كان هو الطرف المنتصر.
عند تكوين الوفد الحكومي لاحظت وجود اسم لعميل أمريكي ضمن قائمة المفاوضين فارسلت ملاحظاتي إلى د. ترابي فوجه بسحبه فسحب .. كان هذا مثيرا لشكي خاصة وأن بروف حسن مكي قد اطلعني على صورة وثيقة ارسلها له بروف أوروبي عبر جهاز الفاكس تشير إلى توقيع البشير وقرنق في دولة أوروبية على منح الجنوبيين الحق في تقرير مصيرهم !! وقال له : شوف جماعتكم عملوا شنو!! اي ان الخواجة مندهش وممتعض من موقف الحكومة… يذكر أن التجمع السوداني المعارض الذي يضم جميع الأحزاب السودانية عدا الحركة الإسلامية قد وقع في يونيو ١٩٩٥ على وثيقة اسمرا التي تنص على منح المناطق الثلاث ( جنوذب السودان وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان وابيي) الحق في تقرير المصير.
انا من جيل شنفت اذانه انشودة ( جدودنا زمان وصونا على الوطن.. على التراب الغالي الما ليه ثمن) .. وسمعنا الأزهري يزمجر كالاسد : حق تقرير المصير دونه خرط القتاد .
رن جرس هاتفي فإذا المتحدث السيد/ بكرى أحمد عديل نائب رئيس حزب الأمة المسؤول السياسي ( صهرنا) يطلب مقابلتي في منزله لأمر مهم.. تركت انشغالي وقدت سيارتي تجاه منزله.. قال لي : حصلت على معلومات تفيد بموافقة الحكومة على منح الجنوبيين الحق في تقرير المصير.. وهذا خطر يهدد وحدة السودان.. كلم جماعتك ( يقصد د. تراب والبشير ) بأن يتراجعوا عن هذا الاتجاه لأنه سيفضي حتما للانفصال .. ودعته وأرسلت طلبه فورا إلى د. ترابي .
التقيت مدير الأمن الشعبي ( ص) وأوضحت له عزمي على الاتصال بالرئيس المصري مبارك وشرحت له الخطة والتفاصيل.. فاثني على ذلك، وقال لي : امض متوكلا على الله.
أصبح إفشال مخطط فصل الجنوب أهم أولوياتي .. ولابد من جهة دولية تساعدني في ذلك .
وضعت عدة خيارات منها ملك السعودية اوالأردن.. رئيس سوريا أو العراق أو ليبيا أو مصر… وبعد دراسة دقيقة رجحت كفة مصر لأن وحددة السودان تعدها أمرا حيويا لأمنها الكلي.. ثم فكرت في جهة توصلني بالرئيس / محمد حسني مبارك .. رغم اني لا أعرف إيا من ضباط مخابرات مصر ولم ازر المحروسة .. فقط استقبلت اللواء/ عمر سليمان مدير المخابرات العامة المصرية وبعض نوابه انابة عن اللواء/ بكرى حسن صالح رئيس جهاز أمن السودان وبتكليف منه .. ومكنته ووفده من مقابلة الفريق /عمر البشير بمكتبه برئاسة مجلس الوزراء ذلك في العام ١٩٩٣.
خطر ببالي مصري يعمل بائعا في محل تجاري شهير كنت أتردد عليه مساء لشراء أغراض منزلي ولمعرفة مايدور فيه.. مالك المحل وعماله نصارى وأجانب.. ويتردد عليه كبار القادة العسكريين في الخدمة والمعاش.. فهمت أن مالكي وعمال المحل يستدرجون العسكريين لمعرفة آرائهم في بعض القضايا العامة.. لكنهم لايتجراون لأكثر من هذا …من سمته وطريقة حديثه رجحت انه ضابط مخابرات مصري . وقررت مواجهته وتسخيره فيما نويت.. طلبت منه مقابلتي لأمر مهم خارج المتجر فحدد لي المكان والزمان .. في اللقاء حدثته عن المخاطر المحدقة بوحدة السودان وان شبح انفصال الجنوب مخيم على الأجواء السياسية.. ولدى مبادرة لإفشال اي اتجاه للانفصال.. لكن ليست لدي قناة توصلني بالرئيس مبارك.. ابتسم وقال : لي سهلة انا اساعدك في ذلك.. لحظتها انتهزت الفرصة وقلت له انت ضابط مخابرات مصري أليس كذلك؟ ضحك وقال لي : نعم .. لكن قول لي انت عرفت ازاي ؟.. قلت له من شكلك وحديثك.. قال لي استر علي،.. قلت له : انت في ضماني.. قال إذن ساتصل وامهلني أسبوعا للرد لكني أخشى من على عثمان لأنه لايحب المصريين .. بعد يومين التقاني وقال لي الرئيس مبارك موافق من حيث المبدأ ويطلب التفاصيل .. طلبت عمل مشاريع تنموية وخدمية وبنى تحتية في الجنوب وان يربط الإنتاج والخدمات بالشمال.. واستيعاب الجامعات المصرية لنحو ٢٠٠٠ طالب جنوبي سنويا مع حثهم على الوحدة .. وإرسال نحو ٢ مليون شاب وشابة مصرية للعمل في المشاريع الإنتاجية ومصاهرة الجنوبيين.. وإرسال اعداد مماثلة إلى دار فور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق لضمان الوحدة والسلام مستقبلا.
بعد يومين رد الرئيس مبارك بأنه موافق على الخطة ومتبرع بإنشاء مشاريع تنموية وخدمية في شمال السودان.. وطريق مسفلت وآخر حديدي يمتداا من مصر، حتي نمولي أقصى جنوب السودان.. وزيادة عدد الطلاب ليصبح ٩٠٠٠ وإرسال طلاب آخرين إلى المغرب والجزائر وليبيا وسوريا والأردن والسعودية.
بعد يومين علمت بعقد اجتماع عاجل لوزراء مالية دول الخليج في القاهرة وابدو ا جميعا موافقتهم على التمويل الفوري وبعضهم سدد ما التزم به.
في وقت وجيز تم تركيب عدد من محطات الكهرباء والمياه ومددت الشبكات وبدأت عمليات التخطيط والردم والسفلتة لعدة طرق بمدن الجنوب.. وانشئت مدارس وفرع لجامعة الإسكندرية… ومشافي.
الخطأ الذي لذي وقع فيه الرئيس المصري تمثل في إرساله وفدا رفيعا ليبشر قادة السودان بما أنجز .. إذ كان من المفترض إتمام الخطة في سرية ووضع الجميع أمام الأمر الواقع..
تكون الوفد الَمصري من د. عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية ود. أحمد أبو الغيط وزير الخارجية واللواء/ عمر سليمان مدير المخابرات العامة.. التقى الوفد الرئيس البشير والأستاذ/ على عثمان.. لا أدري ماذا دار بين الأطراف لكن سمات الغضب ارتسمت على وجوه المصريين عقب المقابلة وغادرو ا البلاد على عجل.. في اليوم التالي شن بعض كتاب الصحف هجوما عنيفا على مصر والمصريين، ووصفوهم بالمستعمرين القدامى و ( الحلبة).. ثم وردني لوم من القصر يقول : نحن الحكام ام انتم.!؟. . نحن من نقرر مصير السودان!!!!؟؟؟.. بعدها التقيت ضابط المخابرات المصري وعلمت منه أن القصر رفض المبادرة وأمر بسحب المعدات التنموية من الجنوب وإرسالها إلى سد مروي!!!؟؟؟.
لكن للأمانة والتاريخ فإن الأستاذ علي عثمان نائب رئيس الجمهورية والذي لم يسبق لي أن عملت إلى جانبه لم يرد لي طلبا عاما بعد ذلك.. فلبي رغبتي في تشييد جسر المتمة شندي وبيارات وقنوات مشروعي السيال والنقع بالمتمة.. واستبدال شبكة مياه الشرب بولاية الخرطوم.. وترحيل كميات كبيرة من الأبقار تابعة لجامعة ام درمان الإسلامية إلى خارج الأحياء السكنية.. إذن لو أنني سعيت لمقابلته واطلعته على مشروع الوحدة لوافق.. ولكن قدر الله وماشاء الله فعل.
بعد شهر من الانفصال التقيت السيد إدوارد لينو المستشار الأمني للدكتور جون قرنق.. ذلك أمام صيدلية ألمك نمر بالخرطوم شارع ألمك نمر.. ولمته على الانفصال : فبكى بكاء مرا وقال للي : نحن وحدويون ولايوجد بيننا جنوبي انفصالي واحد. . وحتما سنعود.
اواصل بإذن الله.
د. طارق محمد عمر.
الخرطوم في يوم الثلاثاء ٣ يناير ٢٠٢٣.