المقالات

د. طارق محمد عمر يكتب : تجارب الحكم المدني في السودان

كانت الحكومة المهدية 1885 الى 1898 اول تجربة لحكم مدني في السودان بعد تاسيسه في العام 1821 .. اتخذت من الاسلام منهجا لحكم البلاد لكنها فشلت لانتشار الأمية السياسية والامنية .. وفي العام 1954 فاز الزعيم الازهري بالانتخابات العامة واصبح رئيسا للوزراء .. لكن عدم اعترافه بالحزب الشيوعي (الجبهة المعادية للاستعمار ) جعل الدولة في حالة غليان وشتائم فلقبوه ب (ابو القدح ) .. ومدير امنه إبراهيم حسن خليل ب ( ابراهيم بابيونة ) علما بانه كان سيوعيا في صباه الباكر .. ثم إن الازهري إنضم الى دول عدم الانحياز رافضا المعسكرين الشرقي والغربي ولم تكن البلاد مؤهلة لمثل هذا الوضع في ظل حرب باردة ماكرة وسرية .. ورفض المعونة الامريكية ووصفها بمدخل لاستعمار جديد .. فكادت له المخابرات الأمريكية وتلاعبت بالدوائر الانتخابية لصالح حزب الأمة واسقطته .. وعين عبد الله خليل رئيسا للوزراء فاخترقته الانساق الأمنية المصرية وعمل الملحق العسكري المصري علي خشبة على تكوين ودعم تنظيم الضباط الأحرار وتحريضهم على قلب نظاام الحكم .. ثم تملكت الغيرة السياسية زعيمي الإتحادي / علي الميرغتي والأمة/ عبد الرحمن المهدي فطلبا من عبد الله خليل بايحاء امريكي تسليم السلطة الى قائد الجيش الفريق/ إبراهيم عبود .. وفي اكتوبر 1964 اطاحت ثورة شعبية دبرتها المخابرات الأمريكية بنظام عبود وتولى الحكم في الفترة الانتقالية الاستاذ / سر الختم الخليفة .. فاذا بالحزب الشيوعي الذي كان شريكا لعبود في الحكم يلتقط القفاز ويحصل على معظم الحقائب الوزارية .. وترك للأحزاب الكبيرة الفتات فغضبت منه واضمرت الإنتقام .. عمل الشيوعيون على استهداف قيادات جهاز الأمن والشرطة والانتقام منهم واحالوا بعضهم الى التقاعد ومجالس التحقيق ووضعوهم في الإيقاف الشديد .. ومن بينهم مدير البوليس والأمن الفريق / ابراهيم حسن خليل .. ولما عينه الأزهري وكيلا لوزارة الاستعلامات والعمل استغل فرصة معاداة الأحزاب للحزب الشيوعي فارغم كل الكوادر الشيوعية في الوزارة على الاستقالة .. بينما رفض البرلمان الانصياع لقرار المحكمة ببطلان حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان .. وفي الديموقراطية التي اعقبت انتقالية سوار الذهب اهملت الحكومة الجيش فساءت احواله بمواقع العمليات وحدثت ندرة سلعية في الخبز والسكر والوقود .. وانفرط عقد الأمن أو كاد فكان حادث اغتيال رجل الدين الشيعي الحكيم في بهو فندق هلتون .. وحادثتي تفجير فندق الاوكروبول والنادي السوداني واختطاف وقتل أميرة الحكيم فضلا عن الفساد الاداري والمالي والتمكين الممنهج .. وبعد الإطاحة بنظام حكم البشير تولى د. حمدوك رئاسة مجلس الوزراء لحكومتين فاشلتين في الفترة الانتقالية إلى أن تقدم باستقالته .. ان من ابرز اسباب فشل الحكم المدني في السودان تبعية معظم الأحزاب لجهات خارحية تتلقى منها الدعم والتعليمات فضلا عن اختراقها من تنظيمات سرية .. كما انها تفتقر للممارسة الديمقراطية وقيم العدل والحرية في داخلها .. وفاقد الشئ لايعطيه .. ومعلوم أن احزابنا تخترق بعضها البعض لصالح جهات استخبارية اجنبية .. تلك هي تجاربنا في الحكم المدني وصاحب العقل يميز . الخرطوم في يوم الخميس 6 يناير 2022 .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى