المقالات

د. مزمل أبو القاسم يكتب : ابحث عن فضولي!

FB IMG 1609956267974

للعطر افتضاح
* أسوأ ملمحٍ صاحبَ الجدل المتصاعد حول ملف تعديل المناهج أنه تحول من قضيةٍ أكاديميةٍ ومهنيةٍ بحتة إلى ملف نزاع سياسي الطابع، تدور فيه معارك شرسة بين أنصار الحكومة ومعارضيها، بمعزل عن الأسس والقواعد العلمية التي ينبغي الاحتكام إليها في تناول الملف، بنظرة أكاديميةٍ مهنيةٍ بحتة.

* بالأمس شمّر البروف محمد الأمين أحمد التوم، وزير التربية والتعليم عن ساعديه، وخاض في لجة الجدل السياسي مع الخائضين، ببيانٍ ضافٍ، حوى عشر نقاط، خصص منه الوزير تسعاً لذم منطلقات ومرامي وأهداف منتقدي د. القراي، متهماً إياهم بالسعي إلى إبعاده عن منصبه، وبالاجتهاد لمنع الوزارة من تعديل المناهج من منطلقٍ سياسي، مثلما رماهم بتهمة المتاجرة بالدين والسعي إلى إفشال الثورة.
* خلاصة الزبدة أتت في الفقرة الأخيرة لبيان الوزير، عندما ذكر أن (الفضول والجدل الدائر حول كتاب التاريخ) قاداه إلى الاطلاع على وحدة النهضة الأوروبية في الكتاب، ليلاحظ أنها تتسم (بقدرٍ كبيرٍ من الضعف)، لذلك وجَّه المركز القومي للمناهج والبحث التربوي بتكوين لجنة من التربويين والمتخصصين في مادة التاريخ لتقييم الكتاب شكلاً ومضموناً، ورفع تقريرها خلال أسبوع من تاريخه.
* قرار الوزير يثبت خطل المنهج الذي تم بموجبه إعداد الكتاب مثار الجدل، وذلك سيشمل كل الكتب الأخرى التي تم إعدادها بمعزل عن التقاليد المهنية المتبعة في تجهيز المناهج في الوزارة والمركز المتخصص.
* أتى قرار الوزير بمثابة (الجس الذي يعقب الذبح)، لأنه صدر بعد طباعة (800) ألف نسخة من الكتاب الحافل بأخطاءٍ فادحةٍ، شهد عليها الوزير بنفسه، وشهادته تكفي لتبيان الخلل المصاحب لعملية تعديل المناهج بتسرعٍ غريبٍ ومريب، استغرق أربعة أشهر فقط لا غير.
* كان من الصحيح أن تتولى لجنة من المتخصصين تحديد الأهداف المراد تحقيقها بالمنهج المُعدّل، وأن يتم تنظيم مؤتمرات علمية، وورش عمل أكاديمية، تناقش تلك الأهداف، وتتولى تمحيصها قبل إجازتها وتكليف خبراء متخصصين بصياغة المنهج، وإخضاعه إلى دراسةٍ وافيةٍ وتقييمٍ شامل واختباراتٍ دقيقةٍ عبر المركز القومي للمناهج، قبل الدفع به إلى المطابع، تلافياً للأخطاء التي أشار إليها الوزير.
* لم يحدث ذلك كله في معرض تجهيز المناهج المعدلة، لذلك كان من الطبيعي أن تأتي الكتب حافلةً بالأخطاء، مثلما حدث في كتاب التاريخ للصف السادس أساس، وكتاب اللغة العربية الذي اكتشفوا – بعد الفراغ من طباعته – أنه يحوي أخطاءً مؤثرة.
* لو لم يقُد الفضول الوزير لمطالعة كتاب التاريخ لمرَّت (جلطاته) إلى طلاب الصف السادس، علماً أن فضول البروف أتى متأخراً، ليكشف عن غياب التنسيق وضعف آليات المتابعة لأهم ملف، في أهم وزارات الدولة.
* مثال على الأخطاء التي حفل بها الكتاب الذي انتقده الوزير إيراد اسم الكاتبة والمفكرة الفرنسية سيمون دي بوفوار ضمن أدباء وعلماء عصر النهضة الأوروبي، مع أنها ولدت وعاشت في العصر الحديث (1908- 1986)، والحديث نفسه ينطبق على مواطنها الفيلسوف والروائي الفرنسي جون بول سارتر، الذي ولد في العام (1905).
* تصحيح تلك الأخطاء سيتطلب إلغاء النسخة الحالية، وإعادة طباعة الكتاب بعد أن فرغت الوزارة من تجهيز (800) ألف نسخة منه، بكلفة مالية ضخمة تبلغ حوالي سبعين مليون جنيه (70 ملياراً بالقديم)، ولنا أن نتساءل هنا عن هوية الجهة التي ستتحمل مسؤولية هدر ذلك المبلغ الضخم من المال العام؟
* الأخطاء الفادحة والكلفتة المريعة التي سيطرت على ملف تعديل المناهج تتخطى المحتوى غير المنضبط، وغياب المهنية، وعدم مراعاة الضوابط والتقاليد الأكاديمية المتبعة في إعداد المناهج إلى فسادٍ ماليٍ وإداريٍ قبيحٍ، صاحب إسناد طباعة الكتب إلى مطبعة العُملة حصرياً بلا عطاءات، وبمخالفةٍ مُشهرة لقانون الشراء والتعاقد للعام 2010.
* لو تم إشهار عطاءات لطباعة المنهج المُعدَّل، الذي يحوي أكثر من (120) كتاباً، لانخفضت كلفة طباعته، ولتم حفظ مليارات الجنيهات من الهدر، ولو مارست الوزارة مهامها، وأشرفت على ملف تعديل المناهج بطريقة مهنيةٍ وأكاديميةٍ منضبطة لما حدثت فيه تلك الأخطاء الفادحة، ولما احتاج الوزير إلى مراجعة الكتب الجديدة بطريقة (ابحث عن فضولي)، ليكتشف أن مركز القراي باعهم الترماي.. بعد خراب مالطا!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى