المقالات

د.مزمل ابو القاسم يكتب : في الصمت كلام.. (سمحة البِتورِّي)!

الخرطوم  تسامح نيوز

 

* سمعنا وعقلنا أن بعض الأحزاب والمكونات السياسية ترفض الحرب الحالية مبدأً، وتراها (عبثية)، لا منتصر فيها لأن المقتتلين سودانيون.

* سايرناهم في الشعار الذي يرددونه (لا للحرب)، لأن الحرب لا يمكن أن تصبح خياراً لعاقل، ولأن النفس السوية تعافها وتلفظها، ونسألهم: هل يمنعكم رفضكم للحرب من رصد واستنكار الانتهاكات التي حدثت ونحدث فيها؟

* للحروب قواعد تحكمها، وضوابط أخلاقية وإنسانية وقواعد للاشتباك، وردت في القانون الدولي الإنساني بوصفه قانوناً للحرب، يجتهد في تقليص كلفتها، وحماية المدنيين من بعض شرورها، إذ يحظر استهدافهم ويطلب اتخاذ الاحتياطات الممكنة لتجنيبهم شرور الهجمات، ويمنع إجبارهم على النزوح، كما يحظر استخدام الأعيان المدنية (مثل المستشفيات والمدارس والجامعات ودور العبادة)، والممتلكات الثقافية؛ كالاثار والمتاحف والمسارح، والجسور ومحطات الكهرباء والمياه، ومراكز الخدمات، والأسواق والمخابز والمطارات المدنية والوزارات ومقرات المسئولين المدنيين (تشمل القصر الجمهوري وبقية مؤسسات الدولة).. التي يحظر القانون استخدامها في تسيير العمليات العسكرية.

* كذلك يحظر القانون الدولي الإنساني اتخاذ المدنيين دروعاً واقية، وينص على حمايتهم من الهجمات، وعلى حماية المنشآت التي تحتوي مواداً خطيرة (معمل إستاك مثالاً).

* كذلك يحظر القانون نفسه الغدر، سيما في

المادة 37 من البروتوكول الأول الاضافي الملحق باتفاقيات جنيف الأربع، والتي تنص على حظر قتل الخصم أو إصابته أو أسره باللجوء إلى الغدر، وتعتبر من قبيل الغدر الأفعال التي تستثير ثقة الخصم مع تعمد خيانة تلك الثقة، وقد رأى الجميع كيف مارس متمردو الدعم السريع أسوأ أنواع الغدر برفاقهم في الجيش، ممن كانوا مكلفين معهم بحراسة وحماية العديد من المرافق الحيوية والاستراتيجية (مثل القيادة العامة والقصر الجمهوري والمطار)، فأغاروا عليهم صبحاً وأسروهم، كما فعلوا الأمر نفسه مع ضباط مدرسة الاستخبارات، والضباط المقيمين معهم في حي المطار.

* زادوا في ذلك اختطاف بعض الضباط وأسرهم وكبار مسئولي الدولة وأخذهم رهائن، واتخاذهم دروعاً بشرية في واحدة من أسوأ صور الغدر والخِسّة.

* أسوأ من ذلك أن مليشيا الدعم السريع عمدت إلى انتهاك كل القواعد التي تحكم الاشتباك، باحتلالها لمعظم مستشفيات العاصمة، ومنها الخرطوم والشعب والأنف والأذن والحنجرة والأورام والأسنان والعيون ومستشفى جامعة الخرطوم وجعفر بن عوف وأحمد قاسم والراقي والمركز الطبي الحديث وابن سينا ومستشفى الشرطة وعمر ساوي وبحري وحاج الصافي وشرق النيل والرازي والساحة وبنك الدم ومعمل الصحة القومي ومستشفى الوالدين والمستشفى الكويتي، كما تسببت في تعطيل معظم مراكز غسيل الكلى، واحتلال مباني الإمدادات الطبية وإغلاق صيدلياتها، مما أدى إلى وفاة الكثيرين.

* ذلك بخلاف تعدي المليشيا المتمردة على البنوك ونهبها للشركات الخاصة والعامة ومعظم مؤسسات الدولة والمتاجر والأسواق المصانع والمخازن، قبل فتحها للصوص والمتفلتين كي يشاركوا في النهب والتخريب.

* لو أردنا أن نسرد ونجرد ونوثق كل الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها مليشيا آل دقلو فسنحتاج أياماً وربما شهوراً طويلة للإحاطة بها، وبكل تأكيد لم ينج فرد واحد من الملايين الذين يسكنون العاصمة من ضررهم وجرائمهم وفجورهم وأذاهم وغدرهم، مثلما لم تنجُ كل مؤسسات الدولة والملكيات الخاص من انتهاكاتهم.

* لذلك يبقى السؤال قائماً: لماذا مارست العديد من الأحزاب والقوى السياسية وبعض منظمات المجتمع المدني صمت الحملان في مواجهة كل تلك الانتهاكات القبيحة والجرائم المروعة؟

* لماذا ابتلعت ألسنتها ورفضت استنكارها، لتكتفي بترديد شعارها الأبله (لا للحرب)، وكأن تلك الجملة تكفي لستر عورة صمتٍ مخزٍ، يرقى إلى درجة التواطؤ والخيانة؟

* نخص بالسؤال حزب الأمة أولاً، وقد بلغ صمته المخزي درجة عدم إدانة اقتحام المليشيا لمنزل الإمام الراحل الصادق المهدي رحمة الله عليه، وتدنيسه وإتلافه واتهام بعض ساكنيه بتخزين أسلحة ثقيلة، وإيواء قناصة، بمسرحية هزلية لم تنطلِ على أحد.. استهجنها جميع أهل السودان وسكت عنها حزب الأمة، ولم يصدر بياناً لإدانتها، وأسوأ من ذلك أنه سارع إلى التبرؤ من الإدانة التي أصدرتها هيئة شئون الأنصار في ولاية النيل الأبيض، فبدا وكأنه مُقِّر وراضٍ وقانعٍ بتدنيس وانتهاك مليشيا التمرد لمنزل حكيم الأمة.. الإمام الراحل الصادق المهدي رحمة الله عليه.

* بالطبع كانت الأحزاب الموقعة على الاتفاق الإطاري أوفر تمسكاً بالصمت الجبان، وأكثر خنوعاً، إذ رفضت جميعها أن تنطق ببنت شفة إزاء كل الانتهاكات المريعة التي ارتكبتها المليشيا المجرمة، ليصبح ذلك الصمت المهين قرينةً جديدةً تُعضد الاتهامات التي لاحقت تلك الأحزاب، عندما رمتها بالتواطؤ مع المتمردين، وأنها تمثل الجناح السياسي لهم!

* نسألهم: كيف ستواجهون شعبكم وأهلكم، وبأي وجهٍ ستقابلونهم، بعد أن ولغتم في الدماء والانتهاكات القذرة التي ارتكبتها مليشيا الموت السريع، بصمتكم الجبان؟

* مارسوا صمتاً مخزياً، لن يغفره لهم التاريخ، وجبِنوا حتى عن المطالبة بوقف جرائم وانتهاكات بالغة القبح والخطورة، أدت إلى مصرع مئات المدنيين وجرح الآلاف وإفقاد كل سكان العاصمة نعمة الأمن والطمانينة والمأوى، وحرمانهم من خدمات الماء والكهرباء والعلاج، وتشريد وتهجير الملايين منهم، وتخريب كامل البنية الأساسية للعاصمة القومية!

* قولوا (لا للحرب) وتمسكوا بذلك الشعار الجبان المهترئ واستمروا في ترديده كيفما شئتم، واعلموا أنه لن يبرئ ذمتكم، ولن يستر عورتكم، ولن يغسل عاركم، ولن يبرر صمتكم، ولن يداري تواطئكم مع المجرمين!

* في صمتكم كلام.. الفيكم اتعرفت لكل أهل السودان.. (وسمحة البِتورِّي)!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى