المقالات

د. ياسر محجوب الحسين يكتب: موقع الإعلام في الدولة الوطنية  

تسامح نيوز | الخرطوم

في ظل التغيرات الدراماتيكية المتسارعة التي تعصف بالأوضاع الجيوسياسية المتوارثة سواء في المنطقة أو عبر مناطق أخرى في عالم مضطرب لاسيما الدول التي تكاد تعصف بها هشاشة أسس تركيبتها الوطنية من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ تبرز أهمية المنظومات الإعلامية في الحفاظ على الدولة الوطنية وحمايتها من رياح التغيير السلبي واندثارها في نهاية المطاف. وتمثل منظومات الإعلام الوطني قاسماً مشتركاً للتصدي لهذه التحديات حيث تؤدي أدواراً حاسمة في الإبقاء على شكل الدولة الوطنية، وهي أدوار قد تفوق في فعاليتها القوة العسكرية والمادية.

وتُعرف الدولة الوطنية بأنها تلك التي تقوم على أساس مشتركات معينة مرتبطة برقعة معينة من الأرض. والمواطنة فيها عهد يجمع بين شرائح هذا الوطن في ظل سلطة سياسية واحدة يمكن تسميتها بالدولة الوطنية. فالدولة الوطنية تطوير لخصوصيات معلومة اكتسبت وجوداً وظّفت للقيام بدور مفيد في تحقيق الأمن وسبل المعيشة وهي قد تضم طيفا ممتدا من وحدات قبلية وجهوية ودينية في نطاق وطني، بل وقابلة لضم أكثر من دولة وطنية في نظام تعاهدي. وما من شك في أن التوعية السياسية والتنمية الاقتصادية ودعم وتقوية اللحمة الاجتماعية، هي الأسس التي تقوم عليها الدولة الوطنية بمساعدة رافعة الإعلام. وربما كان الإصـلاح السّياسي عملية مستمرة وهو مفهوم يمثل العملية التي تهدف إلـى إعـادة بناء المجتمع سياسيا ومن ثمّ اقتصاديا واجتماعيا، بـحـيـث يصبح مواكبا لكل الـتـطـورات والـتـغـيـرات الـمـسـتـمـرة داخليا وإقليميا ودوليا ومحصنا ضد ما هو سلبي منها.

وعادة تـوصـف العلاقة بين النظامين السّياسي والإعلامـي بأنها عـلاقـة تأثير مـتـبـادل، لكن حجم التأثير يختلف بين الطرفين وفـق طبيعة العلاقة بينهما، ووفـق شكل النظام السّياسي ودرجـة الديمقراطية التي يتمتع بها، ودرجة الحرية السياسية التي يتمتع بها الإعلام في معالجة القضايا السّياسية والاجتماعية، ودرجـة استجابة النظام السّياسي لملاحظات وآراء وسائل الإعلام تجاه القضايا، وتجاه الأداء الحكومي لتلك القضايا. في ذات الوقت، ولكي تتمكن وسائل الإعلام من القيام بوظائفها السياسية في دعم وتطوير الديمقراطية، فلابد من توافر محددات رئيسة، وهي: القدرة على تمثيل الاتجاهات المختلفة داخل المجتمع؛ فمن الضروري أن تتاح لهذه الاتجاهات فرصة الوصول إلى الجماهير، وأن تعرض أفكارها دون أية قيود من السلطة الحاكمة. كذلك لابد أن تضطلع وسائل الإعلام بمهمة حماية مصالح المجتمع، إخبار الجمهور بأية إخفاقات قد ترتكبها مؤسسات السلطة. بالإضافة إلى مهمة توفير المعلومات لصالح الأفراد والمجتمع في الوقت نفسه، ومن خلال ذلك يتكامل دور وسائل الإعلام مع دور المؤسسات الأخرى مثل المنظومات التربوية والتعليمية. أما المحدد الرابع لتقوم وسائل الإعلام بوظائفها، هو المساهمة في تحقيق الوحدة الاجتماعية؛ فوسائل الإعلام تساهم عن طريق تقاسم المعرفة في تحقيق الوحدة والترابط في المجتمع تجاه البيئة الأساسية وقضاياها.

ولعل رفاهية الدول وتطورها وأمنها مرهون باستقرارها السّياسي، ولا يتحقق الاستقرار السياسي إلا بالوعي السّياسي لكل قطاعات المجتمع، قيادات وأفرادا. ولكون أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين السياسة والإعلام، فضلا عن مهمة الإعلام المرتبطة بإشاعة الوعي؛ فإن هناك مسؤولية تضامنية ثقيلة تقع على عاتق كل من النخبة السياسية لاسيما الحاكمة منها، ووسائل الإعلام. كما تجدر الإشارة إلى أن التناول الانطباعي لقضايا الإعلام بشكل عام، ينتج عنها صورة ذهنية سالبة قد تُحمّله وزر تشوهات النظام العربي، السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولذلك فإن هناك اتفاقاً على أن الإعلام الذي يرزح تحت القيود السُّلطوية، فإنها بالضروة تشكّل عليه ضغوطاً سياسيةً واقتصادية تمنعُه من القيام بدوره التنموي في المجتمع.

ولعل التحدي الأكبر لوسائل الإعلام في دول المنطقة العربية عقب ما عرف بثورات الربيع العربي، ظل على الدوام هو البيئة السياسية المثخنة بالخلافات العميقة بين مكونات الطبقات السّياسية. ولذا قد يتفق الكثيرون مع الرأي القائل بأن حالة خطاب الكراهية الطائفية والعرقية والمذهبية والسياسية شكلت أحد أبرز الملامح في المنطقة العربية بعد ثورات الربيع العربي، إذ بدا أن تلك الكراهية تفسر جانباً من التعثرات والتقلبات السّياسية في المراحل الانتقالية التي طغت عليها سمات عدم التوافق السياسي بين الكتل والتيارات السياسية، وتنامي نزعات الانتقام، والإقصاء المتبادل فيما بينها، بل والحشد على أرضية كراهية الآخر المختلف سياسيا أو عقائديا أو مذهبيا أو مناطقيا، أضف إلى ذلك، عدم التورع عن تكفير الآخر السياسي، ونزع الوطنية.

والدولة لا تنضج بدون إعلام يعي ما له وما عليه، ولا يتأتى ذلك إلا بمرجعية سياسية تؤمن بالعمل الإعلامي باعتباره قريناً أساسياً لعمل الدولة، بل هو وجهها وأيقونتها في زحمة التنافس والمغريات. والسياسة الإعلامية الحديثة تقوم على أساس الصدق في المعلومة، والتواصل المستمر والمنتظم مع الناس، والحوار الذي يسمح بالاختلاف، والسماح للآراء المختلفة والمخالفة بالتعبير عن نفسها بحرية، وعدم البخل في تقديم المعلومة المفصلة لشرح وجهة نظر مؤسسات السلطة.

وما لم تنجح المنظومة الإعلامية في الدولة الوطنية في ترسيخ مفهوم قبول الآخر فإنه يفشل في مهمته الأساسية. وربما كان قبول الآخر ليس أكثر من عملية تواصلية وحوارية، وبالتواصل تتراكم المعرفة ويزداد تبادل الخبرات وتتنوع التجارب لدى الأفراد، فالحوار يثري الذكاء عبر عملية متبادلة وعلاقة تكافؤية تبتعد تماما عن

المعادلة الصفرية المعتلة. فعلى مستوى الدولة الوطنية فإن مفهوم قبول الآخر بين الكيانات والفعاليات السياسية يرسخ لتداول السلطة وتقنين ظاهرة الاختلاف كظاهرة طبيعية في السياسة. ومن ثمّ تحقيق هدف النظام السياسي وهو حفظ الدولة والمجتمع من التفكك عبر آلية التداول السلمي للسلطة. مع الإشارة إلى أن غياب هذا المفهوم يجعل المعادلة الصفرية حاضرة في العلاقات بين أطراف الوطن الواحد من خلال سرقة أحد الأطراف لحقوق طرف آخر، فتكون سببا للانقلابات والصراعات إما بقصد استعادة حقوق أو بقصد الاستحواذ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى