
والرواكيب الصغيرة حينما تبنيها النساء تبقى مدنا للفرح ، والراحة والحنية ، كيف لا وقد نسجت جدرانها أنامل إمراة لتكون عشاً دافئاً لأسرتها الصغيرة كي تحتويهم بألق المحبة والعيشة البسيطة (السمحة) ، وراحة البال وتلك تُعبّر عن السعادة الحقيقية المميّزة والعميقة من الفرح، والسرور، والمزاج الجيّد، مايؤكد ان السعادة ليست مالا وانما راحة بال ، وإمرأة ذكية ، واعية ومحنكة في شئون الاسرة تدير بيتها بـ(حب) ، وليس من الضروري أن تكون تلك المرأة قد نالت من التعليم الدرجات العلا ، فكل اللائي بنين بيوتاً مترفة بالسعادة هن لسن متعلمات ، ولم يشاهدن فصول الدراسة ولا حتى مباني المدرسة ، إلا أنها بفطرتها تنام وتستيقظ وفي بالها راحة اسرتها (أسوى ليكم بايديا شاي وحالبالكم ضراع الليل) كما قال الراحل الشاعر سعد الدين إبراهيم في أغنيته (الرواكيب والأوض) التي تغنى بها الموسيقار ابو عركي البخيت ، وفيها تغزل سعد الدين بالحسان (ستات البيوت) صانعات الفرح.
كل ذلك الذي ذكرته سلفا ماهو إلا حروفا لا تساوي ربع ماقدمته نساء كثيرات في البوادي البعيدة وقد شاهدت قبل اشهرا لبست بالطويلة صوراً جميلة من قرى وارياف من ولاية غرب كردفان ربنا يكفيها شر هذه الحرب المشتعلة . الصور هي عبارة عن (رواكيب مصطفة) سكن للاسر ، وهذه الرواكيب ليست اقل من الـ(200) راكوبة وقد وثقتها كاميرا احدى صديقاتي عند زيارتها لتلك البقاع الجميلة ، وقالت لي تلك الصديقة ان كل هذه (الرواكيب) أسستها نساء تلك القرية لم يساعدهن فيها رجلا واحدا ، ونساء تلك القرية أكدن لها ذلك حتى تحميهن تلك البيوت من حر أشعة الشمس وألامطار .وقلن لها أنهن يبذلن مجهودا كبيرا في ماتحتاجه تلك (الراكوبة) ويجلبن مستلزماتها من اماكن بعيدة جدا.
والغريب حسب قول صديقتي ان الرواكيب لم تؤسس بصورة عادية وإنما فيها من ملامح الجمال مافيها وكأنما وضع خرطتها مهندس محنك ، عن فعلا مبدعات في كل شئ ، يجلبن مواد ذلك الظل من مسافات بعيدة دون كلل أو ملل ، همهن الوحيد هو ان تقي احداهن عيالها و(ابوهم) من المطر وحر الشمس.
التحية لنساء تلك القرى بصفة خاصة ، ولكل اللواتي يكدحن ويصنعن الفرح في صمت وتجرّد ، اللائي جئن في زمن الكفاح المر ، تدور فوقهن طواحين الأيام بحلوها ومرها ، وهن يرسمن إبتسامات الرضا في الشفاه التي جفت من التعب ، و(يا واقفة قاب قوسين معاي .. في الغيم وفي صوت المطر وبين البنفسج والعبير