
زيارة حفتر وروتو للقاهرة ما تأثيرها على الأزمة السودانية
سجل الرئيس الكيني زيارة للقاهرة بعد غياب طويل لاعادة تنشيط العلاقات بين البلدين ومعروف موقف كينيا تجاه مليشيا الدعم السريع و حواضنها السياسية .
وقبل أيام سجل خليفة حفتر ايضا زيارة لمصر و هو يمثل ايضا إمتداد لوجستي للمليشيا .
بالاضافة لدعم تشاد الواضح للمليشيا و توتر العلاقات مع جنوب السودان و إثيوبيا لوحظ ايضا إنسحاب مليشيا الدعم السريع بشكل مفاجئ من العاصمة الخرطوم و بعض المدن الاخري .
والسؤال الذي يتبادر للأذهان هل توجد دلائل او ملامح لإعادة صياغة موقف دول الجوار وفقا لرؤية دولية تجاه السودان مع الاخذ في الاعتبار وجهة نظر بعض المحللين السياسيين بأنه توجد رؤية لفصل اقليم دارفور لتكوين دولة ذات سيادة مع ضمانات لمصر خاصة بحماية الحدود لها ..
إن قراءة الازمة السودانية باعتبارها صراعا بين جنرالين ينطوي على تبسيط مخل للازمة ويتجاهل السياق الدولي الذي تندرج في اطاره، حيث تمثل هذه الازمة جزءا من صراع دولي كبير في المنطقة تتقاطع فيه مصالح الامارات وروسيا و الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي و الصين .
ولفهم هذا الصراع من الضروري الالمام بتاريخ الصراع الإقليمي بين السودان و دول الجوار خلال التاريخ الممتد من الصراع داخل السودان والذي شهد تغييرات ذات طبيعة مد وجزر مع دول الجوار التي كانت تتغير مواقفها حسب المتغيرات و المصالح العالمية .
ليبيا
أفاد موقع “ميدل إيست آي” (Middle East Eye) البريطاني، نقلا عن مصادر ليبية مقربة من اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أن الرقابة الدولية اضطرته إلى تغيير الطرق التي تستخدمها قواته لتزويد قوات الدعم السريع السودانية بالوقود والسلاح.
وقال الموقع إن سياسيين ومحللين ومصادر استخبارية من جنوب ليبيا، أكدت له تورط حفتر في توريد السلاح والوقود لقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) التي تخوض حربا ضد الجيش السوداني منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي.
وأوضح الموقع البريطاني أن مصادره كشفت عن أسماء القواعد الجوية التي قالت إن قوات حفتر تستخدمها الآن لإرسال الإمدادات إلى قوات الدعم السريع في السودان، مشيرا إلى أن وسائل الإعلام كانت قد تداولت صورا لشحنات أسلحة تنقل من قواعد عسكرية في شرق ليبيا في وقت مبكر من اندلاع الصراع بالسودان.
ونقل تقرير الموقع عن سعد بن شرادة عضو المجلس الأعلى للدولة بليبيا، قوله -في مقابلة حصرية مع “ميدل إيست آي”- إن القوات المسلحة العربية الليبية التابعة لحفتر تنقل الإمدادات العسكرية من أراضيها إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث يتم نقلها بالسيارات عبر الحدود إلى الأراضي السودانية.
ان فهم تطور الاحداث في السودان يمكن ان يكون أفضل عبر مقارنته بتجربة التدخل الاماراتي في ليبيا رغم اختلاف مسارات الأحداث. فمخطط حفتر بدأ في 2013 بمحاولة السيطرة على الشرق ثم التمدد جنوبا، ثم شمالاً وصولا الى طرابلس في 2019، لكنه فشل في النهاية بسبب تحالف الفصائل ضده.
ويبدو ان الامارات وفاغنر اعتقدتا بامكانية تطبيق السيناريو الليبي في السودان بطريقة معكوسة اي السيطرة على العاصمة منذ البداية، نظرا للقوة الكبيرة للدعم السريع وانتشاره في مواقع استراتيجية.
الا ان صعوبة تحقيق هذا الهدف دفعتهما الى تبني خطة بديلة تتمثل في السيطرة على دارفور وفرض سلطة محلية شبيهة بسلطة حفتر ومع ذلك لم يتراجع الدعم السريع عن محاولة توسيع نطاق المعارك الى الجزيرة بهدف استنزاف الجيش وابعاده عن دارفور.
إلا أن انحياز الحركات المسلحة في الفاشر للجيش ادى الى أن يجد الدعم السريع نفسه في حرب استنزاف في الجانب الآخر.
هذا التعقيد زاد من ضبابية المشهد وجعل توقع مسار الاحداث اكثر صعوبة ومما يزيد الامور تعقيدا وجود محور آخر مهم وهو مصر حيث تدعم مصر الجيش السوداني بشكل واضح اذ ترى في وجوده مصلحة استراتيجية وترفض اي نفوذ للدعم السريع بالقرب من حدودها الجنوبية، لما يشكله ذلك من تهديد امني.
ومع ذلك بدأ البعض في التشكيك بالموقف المصري بعد زيارة حفتر للقاهرة تلتها زيارة الرئيس الكيني وليام روتو وكلاهما من حلفاء الامارات مما اثار تكهنات حول صفقة محتملة بين مصر والامارات تتضمن غض الطرف عن سيطرة الدعم السريع على دارفور مقابل ضمانات بعدم تهديد الامن المصري.
غير ان هذا السيناريو يبدو مبسطا اذ ان القرار المصري لا يمكن فصله عن مصلحة مصر الأكبر و هي ضمان امن وسلامة حدودها الجنوبية و أيضا عدم الوثوق في مليشيات تعمل علي اثارة الفوضي و تفتقر الي الانضباط و التحكم القيادي .
كينيا و السودان
بدأت موجات تغيير العلاقات مع كينيا المجاورة للسودان منذ زمن بعيد إبان الحرب بين شمال السودان و جنوبه وتبادل الطرفان الاتهامات بدعم المعارضة و تأجيج الصراع الداخلي للبلدين .
وفي التاريخ الحديث شهدت العلاقات بين كينيا و السودان تراجع إبان الحرب بين الجيش و مليشيا الدعم السريع .
وفي وقت سابق استدعى السودان سفيره في العاصمة الكينية نيروبي للتشاور احتجاجاً على الاستقبال الرسمي الذي نظمته الحكومة الكينية لقائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” والتي جاءت بعد جولة شملت أوغندا وإثيوبيا وجيبوتي وأعقبتها زيارة لدولة جنوب إفريقيا.
ونقلت المنصة الرسمية للحكومة السودانية عن وزير الخارجية السوداني علي الصادق القول إن التشاور مع السفير سيغطى كل الاحتمالات لمآلات علاقات السودان مع كينيا التي اتهمها بـ “مولاة قوات الدعم السريع واستضافتها لقادته وداعميه .
وعلى خلفية العلاقة السياسية والاقتصادية التي وُصفت بالوثيقة بين الرئيس الكيني وليام روتو وقائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان (حميدتي)، ولمواقف رسمية كينية اعتُبرت انتقاصا من سيادة السودان، أعلنت الخرطوم رفضها رئاسة كينيا للجنة الرباعية الخاصة بحل أزمة السودان إيغاد.
وقال مصدر دبلوماسي سوداني للجزيرة نت إنّ لرفض الخرطوم رئاسة كينيا لآلية إيغاد أسباب “إجرائية وموضوعية”، حيث لم تُبحث في قمة إيغاد العادية التي عُقدت في جيبوتي في 12 يونيو قضية رئاسة كينيا للجنة، ولم يتم الاتفاق أثناءها على هذا الأمر.
وأضاف أن القمة الطارئة للآلية في 17 أبريل ، قررت تشكيل لجنة من الرؤساء واختارت رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، وهذا القرار يظل ساريا حتى بعد توسعة اللجنة بإضافة رئيس وزراء إثيوبيا.
وترى الخرطوم أن سلفاكير ميارديت هو الأنسب لرئاسة اللجنة وفق ذلك القرار، ولدوره في التوصل إلى اتفاقية “جوبا” للسلام في السودان.
وأخطر رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان رسميًا رئيس الدورة الحالية لإيغاد بموقف بلاده، مؤكداً دعم مبادرتها الرامية لإيجاد الحلول الممكنة من أجل السلام في السودان.
ماهو الاثر المحتمل إقليميا في حال إنفصال اقليم دارفور مستقبلا إذا حدث !
هل سيتأثر المكون الافريقي في دارفور بشكل خاص في حال إنفصال الاقليم او سيطرة مليشيا الدعم السريع علي مدينة الفاشر مع الوضع في الاعتبار الصراع القائم اصلا بين المكونات العربية التي تنتمي اليها المليشيا و التي تعادي بشكل واضح بقية المكونات الاثنية في دارفور منذ زمن بعيد .
تتجه الازمة السودانية نحو احد احتمالين رئيسيين، اولا تحقق الانفصال وتمكن الدعم السريع من فرض سيطرته على دارفور مما يؤدي الى واقع تقسيمي فعلي مع اعلان كيان مستقل.
غير ان هذا الكيان سيكون هشا بسبب الصراعات القبلية العميقة والتاريخ الطويل للنزاع في الاقليم فضلا عن انتشار السلاح بكثافة مما يحول المنطقة الى ساحة اقتتال داخلي مستمر شبيهة بالصومال خلال التسعينيات.
ثانيا فشل الانفصال وتحول الدعم السريع الى حركة متمردة تواصل القتال ما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في السودان لسنوات طويلة. في هذا السيناريو سيجد الجيش نفسه في مواجهة طويلة الامد مع تمرد يمتد على مساحات واسعة مما يعطل جهود اعادة الاعمار ويؤدي الى استمرار التدهور الاقتصادي.
في كلتا الحالتين فان الازمة السودانية مرشحة للاستمرار لفترة طويلة في ظل تعقيد المصالح الدولية والاقليمية المتشابكة، مالم يتم التوصل لاتفاق مع الأطراف الدولية ذات الصلة وهذا هو الحل الأنسب حتى في حالة استمرار التفوق العسكري للجيش. ومرة آخرى، هذا الاتفاق لن ينجح بدون توافق الأطراف الخارجية في الصراع.
المصدر: الجزيرة نت