المقالات

سعيد عباس يكتب :إفطار الفشقة وغياب الشمس في عمق الخنادق

تسامح نيوز | الخرطوم

مشى ابو دجانة في ميدان الحرب في غزوة احد وهو يتبختر في ساحة القتال خيلاء، ويتعالى ويشرئب بصدره الى عنان السماء، ويرفع رأسه كأنما كان يريد ان يضعه كمئذنة فوق رؤوس الجميع، وهو يخطو ويحجل بغرور تسنده الثقة والعزة بالنفس، ويملؤه الحماس، فلمحه الحبيب المصطفى -صل الله عليه وسلم- فقال: (هذه مشية يكرهها الله إلا في مثل هذا المكان) أي ميدان الحرب، وهكذا كانت تمشي سهير وتتبختر بعزة وخيلاء، وهي تخطو في ساحات خطوط النار الأمامية الحدودية في منطقة الفشقة الكبرى، بين الخنادق والبنادق ودُشم الراجمات والدبابات، حيث أضفى (الكاكي)_ المموه هناك– بعدا تشكيليا رائعا يتسق مع العمق التضاريسي المموه بنفس شاكلة الزمان والمكان، حيث كان التدرج اللوني مابين الكاكي وطبيعة الارض هناك قاسما مشتركا، يحكي، ويتحدث عن أمشاج التلاقح الأزلي، والانتماء الفطري عما بين الجيش والأرض. قبلها تنادت سهير إلى رهط من أصدقائها ورفقاء الدرب والقلم في مبادرة “فاطرين معاكم”، وكانت الموافقة على المبادرة أسرع من أن يرتد اليك الطرف، تلبية لنداء الوطن قبل نداء سهير، فاصطصحبت من الإعلاميين انقاهم وأغلاهم، كأنما كانت تنتقي خيارا من خيار، وتقدم من كل بستان زهرة، فجاءت على رأس الوفد الإعلامي بالمُهذب المُفضال عاصم البال، محبوب الوسط الإعلامي، واختارت رئيس تحرير صحيفة آخر لحظة السابق عبد العظيم صالح، وملك الحوارت السياسية التلفزونية والصحفية بكري المدني، وأتت بكاتب الروائع وأول دفعته د. محمد عبد القادر (ابوحباب)، والمميز دوما وأبدا المحلل السياسي وصاحب المنصات الإعلامية المختلفة طلال اسماعيل، ومندوب قناة الجزيرة المتفرد دوما وابدا الأستاذ بدوي، بجانب الاعلامية الصاعدة بقوة واقتدار –التي فجرت حماس الجنود في الخنادق وخطوط النار الأمامية بقصائدها الحماسية – الأستاذة سلمى ميرغني. وكان معها الدينمو الإداري المحرك لمجريات أمور الرحلة الاستاذة وجدان مجذوب. وكما يقول أستاذي مؤمن الغالي : وشخصي القوى الأمين فلا ضعف بيننا ولا هوان.

أزفت ساعة الانطلاق من الخرطوم بعد ان تبين بوضوح الخيط الابيض من الخيط الأسود من صباح الفجر الجديد حتى وصلنا الى قضارف الخير بعد ظهيرة يوم الجمعة، فكان في استقبالنا القائد الفذ العماس، واركان حربه الميامين. وللعماس وقائد المنطقة الشرقية قصص وقصص سنروي بعضها في حينها،فالرجل لا نستطيع ان نقول فيه إلا كما قيل في حق الإمام مالك –رحمه الله –من طلبته وتلاميذه، عندما درسهم درسا بعنوان ” كفارة اليمين” وحينها قالوا: ”نًذرَ الزّمانُ بأنْ يجُودَ بِمثلكَ، والآن قدْ حَنستْ يمِينُك يازمان فكفر ”.

فالرجل بالرغم من رتبته العالية والرفيعة بوصفه القائد العام للمنطقة الشرقية إلا أنه اكتنف ألا يجلس والا يكرم ضيوفه بنفسه وألا يقف حتى على ابسط دقائق الأمور لتوفير سبل الراحة للوفد، حتى استحى الجميع من وجوده بينهم وهو يقف قويا من غير عنف، ولينا من غير ضعف، مرتديا بذته العسكرية طوال اليوم. ولا اشك ان زملائي قد لا حظوا أن القائد العماس كان واقفا بذيه العسكري الجميل المتكامل_ من ساعة مجيئنا حتى رجوعنا في الثلث الاخير من الليل_، كانما خلق مفصلا على الكاكي وخلق الكاكي مفصلا عليه، واحسبه قد بلغ مبلغا كبيرا من الارهاق والتعب فهو المشرف المباشر على راحة الوفد منذ أن وصل إلى أن غادر. فقد كان الكريم الصابر المتفاني، الذي يخفى معاناته وارقه ليسعد الآخرين، وكأنما كان يقصده امرؤ القيس حينما قال:

إِن الكريمَ ليُخفي عنكَ عسرتهُ…

حتى تَراهُ غنيا وهو مَجْهودُ.

واحسب أن العماس من طينة القلائل من عظماء ضباط الجيش السوداني السابقين، الذين كانوا تكسوهم المهابة والوقار أينما حلوا وما ذهبوا،– محمد طلعت فريد، وابوكدوك، وسوار الذهب… الخ.

وصلت مبادرة “فاطرين معاكم” الفشقة بعد عبور السهول والغابات. عبر طرق وعرة طويلة، حتى اذا ماحللنا بمنطقة القريشة وجدنا الاستقبال فيها قد فاق التصور والخيال، وقد كان من المتوقع جدا ان يكرم القادة هناك بعثتنا – وهذا ليس بغريب- وان يستقبلوننا بصدور سودانية رحبة ملؤها المحبة والطيبة والتحايا، فهذه أخلاقهم، وان ينتظروننا على المداخل والمضارب، فهذه طباعهم وارثهم ، ولكن ان يهب كل أفراد الجيش جنودا وضباطا ، ويخرجون من الخنادق والمواقع وهم صائمون، وشفاههم جافة من شدة الحر، وتعلو أصواتهم مهللين، مكبرين، ومرحبين بمجيئنا؛ هذا ماكان جمعنا لا يتوقعه، وقد كان. واحسب أني ومعظم زملائي لم نر الخندق إلا في ذلك اليوم، ونحن في معية من هم أفضل منا. نعم افضل منا جميعا بكل ماتحمل مقاييس الأفضلية، ومعايير الوطنية الحقة. وذلك لأنهم من يسهرون لننام. وهم من يفارقون أبناءهم واسرهم لنستقر نحن مع أسرنا وأبنائنا، وهم من يتخذون الخنادق المظلمة مسكنا مع الثعابين والعقارب ؛ لنرقد وننام نحن في الشقق الفارهة، والعمارات الفخيمة، وهم يجابهون كل تلك الظروف القاسية بحب صادق، ورضاءِ كامل وتفان تام. يقدمون أرواحهم ودماءهم فداء للدين والوطن.

لله دركمو يا أبناء جيشنا العظيم البواسل

 

نمّة:

 

“فاطرين معاكم” يا أسود الحوبة..

كم جيشنا العظيم ذلل محال وصعوبة..

شاحد الله الكريم تبنوهو طوبة وطوبة..

يحميكم كريم بي قاف وسورة التوبة..

 

صورة أخيرة:

 

نحن جند الله جند الوطن..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى