
ضياء الدين بلال يكتب: البادي أظلم!
ضياء الدين بلال
-1
شاهدتُ العمل الدرامي الكويتي الذي يثير جدلاً واسعاً هذه الأيام، ويشعل حرباً إسفيرية بين سودانيين وكويتيين على وسائل التواصل الاجتماعي.
كنت أظن، قبل المشاهدة، أننا نبالغ أحياناً في حساسيتنا تجاه تناول العرب للشخصية السودانية في الأعمال الدرامية.
لكن ما إن انتهيت من المشاهدة حتى وجدت نفسي أمام عمل استهزائي كيدي رخيص، يخلو من أي فكرة أو مضمون سوى الإساءة للسودانيين. بدا واضحاً أنه صُمِّم لهذا الغرض تحديداً.

-2-
في الأعمال الدرامية الأخرى المعروضة على الشاشات العربية، تأتي الإساءة ـ إن وُجدت ـ عرضية ومخففة نسبياً.
أما في العمل الكويتي الأخير، فالقصد من الإساءة والاستهزاء كان مباشراً وصريحاً، لا يترك للمشاهد مجالاً لحسن الظن أو لتفسير آخر.
شعرت أن منتج العمل يتعمّد إثارة ردود فعل من السودانيين بهدف تحقيق الانتشار والرواج لمنتج هزيل، يفتقر للفكاهة الراقية والمتعة البصرية.
ورغم أن بعض ردود الأفعال السودانية في “الأسافير” انطوت على إساءات مضادة لا تخلو من البذاءة والتجريح، إلا أن النظر إليها في سياق الفعل الأصلي، الذي بُثَّ عبر قناة رسمية، يجعلها ردوداً طبيعية ومفهومة.
وإن لم تتعاطف معها، فلن تملك الشجاعة الكافية لاستنكارها، لأنها تندرج تحت القاعدة: “لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم”، عينٌ بعين، وسنٌّ بسن، و”البادي أظلم”.
-4-
قبل عشر سنوات، حضرت ندوة مهمة في منتدى سوداني بدولة قطر، تناولت صورة الشخصية السودانية في الدراما العربية.
في تلك الندوة، تحدث الدكتور الصادق الفقيه قائلاً إن تنميط الشخصيات قد يكون فعلاً مقصوداً من جهات ذات أهداف محددة، وقد يكون سلوكاً عفوياً، لكنه متصل بمكنيزم خاص يجعله مستمراً ومؤثراً.
وأوضح أن وجود هذا التنميط، سواء أكان مقصوداً أم لا، داخل العمل الدرامي، يضعف من قدرة الطرف المستهدف على النفي والاحتجاج، بل إن الاحتجاج أحياناً قد يعمّق الصورة ويُروّج لها.
واقترح د. الفقيه دراسة الظاهرة من كل جوانبها، لتمييز المقصود من التلقائي، ومعرفة مدى إسهامنا السلوكي في ترسيخ ما يُقال عنا.
وقبل كل ذلك، اقترح ـ كإسعاف أولي ـ مواجهة محاولات تسخيف الشخصية السودانية عبر أعمال إبداعية تتجاوز الإطار المحلي، ترفع من شأن رموزنا وتروّج لإمكانياتنا الغنية.
كما تحدّث الممثل المبدع محمد السني دفع الله عن الموضوع بأسلوب سلس وممتع، مستعرضاً تطوّر تناول الشخصية السودانية في الدراما المصرية والخليجية.
وأشار السني بذكاء إلى أن ما يحدث هو نتيجة طبيعية لغياب الدراما السودانية عن الساحة، قائلاً: “إذا لم تكن قادراً على طرح صورتك كما تحب أن تُرى، فلا تلومنّ من يسعى لتصويرك كما يراها هو…”
-5-
في زياراتي المتعددة للدول العربية، وقفتُ على حقيقة مؤلمة: كثيراً ما يُقيَّم الفرد بحسب وزن دولته لا بما يحمل من مؤهلات وصفات مميزة.
ووزن الدولة وصورتها في الذهنية العامة تحدده الأخبار المتداولة عنها، والنكات التي تُروى عن مواطنيها، وسلوك أبنائها في المهاجر ودول الاغتراب!
-6-
بعد مرور عشر سنوات على حديث الدكتور الصادق الفقيه، أجد أن ما قام به المخرج المتميز سيف الدين حسن عبر سلسلة أرض السمر يُعدّ مجهوداً مقدّراً في التعريف بالسودان كبلد زاخر بالإمكانات والثروات التي لا تتوفر في كثير من الدول العربية ومعظم الدول الإفريقية.
ونأمل أن تليها سلسلة أخرى تُعرِّف بالشخصية السودانية، تبرز تميزها، وتسجّل إسهاماتها في نهضة دول كانت تقبع في قاع التخلف والجهل.
إعادة نشر.