
في مطلع كل عام ينتظر القطاع المصرفي وقطاع المال والأعمال وقطاعات واسعة داخل وخارج السودان منشور سياسات بنك السودان المركزي ، ولكن في هذا العام توقع المعنيون داخل وخارج السودان أن يتأخر إصدار المنشور نظرا لظروف وتداعيات الحرب التي تعيشها البلاد منذ الخامس عشر من ابريل 2023 .
الا أن بنك السودان المركزي ، وفي هذه الظروف إلتزم كعادته، وأصدر سياسات العام الجديد في موعدها وبمهنية عالية وصياغة رفيعة وسياسات أستطيع أن أقول أنها راعت المتغيرات التي تعيشها البلاد من ظروف الحرب الطاحنة والتقلبات الاقتصادية .
من أهم ايجابيات سياسات بنك السودان المركزي لهذا العام خفض نسبة الاحتياطي النقدي القانوني من 20% الي 15% لاتاحة موارد أضافية للبنوك لتمويل القطاعات الاقتصادية ذات الاولوية في الاقتصاد الوطني ، وهذا شئ مطلوب وشخصيا سبق لى المطالبة به في مقال منشور لأن هذا الأمر يسهم في تقوية القطاع المصرفي والمالي على وجه الخصوص والاسهام في النمو والتنمية الاقتصادية بصفة عامة .
فضلا أن السياسات قد أولت اهتماما كبيرا بمعالجة الآثار السالبة للحرب علي الجهاز المصرفي بالتعاون والتنسيق مع إتحاد المصارف السوداني ومجالس إدارات البنوك والادارات التنفيذية للبنوك .
ومن الاشراقات أيضا في منشور السياسات الإستمرار في تحرير سعر الصرف وذلك بالسماح للبنوك والصرافات بحرية تحديد أسعار الصرف اليومية وفق قوي العرض والطلب وبدون أي تدخل من بنك السودان المركزي بالإضافة الي الإستمرار في تحرير سوق النقد الأجنبي وإزالة التشوهات ، وهذا محور مهم جدا وفيه مرونة، وبقليل من الصبر وتعاون الجهات الإقتصادية من وزارة المالية وغيرها من الوزارات الاقتصادية سوف يسهم في استقرار سعر الصرف وما أريد أن اؤكد عليه وبقوة هنا أن تحقيق استقرار في سعر الصرف ليس مسؤولية البنك المركزي وحده .
وجاء في منشور السياسات تشجيع البنوك علي منح التمويل للقطاعات الإقتصادية الإنتاجية ، وخاصة التمويل الأصغر والصغير بصفته الرافعة الأساسية لتحقيق النمو والتنمية الإقتصادية المستدامة .
التركيز على التمويل الاصغر سوف يحقق مكاسب اقتصادية واجتماعية كبيرة إن شاء الله ، خاصة وأن التمويل الاصغر ظل صامدا في وجه الحرب وحقق فتوحات بارزة خاصة في مجال التمويل الزراعي .
اولي منشور السياسات ايضا اهتماما كبيرا بموضوع الشمول المالي وأعتقد أن الكرة الآن في ملعب القطاع الخاص ليسهم في تطوير هذا القطاع المهم .
والمنشور يؤكد على المرونة والاستثنائية في تطبيق تلك السياسات وإمكانية تعديلها وفق ماتقتضيه الأوضاع الاقتصادية والمصلحة العامة وذلك بالتعاون والتنسيق المستمر بين السياسة النقدية والمالية والجهات الأخرى ذات الصلة وهذا شئ مهم وحيوي وضروري للوطن والمواطن.