
في ١١ سبتمبر ٢٠٠١ وقع حادث تفجير برجي التجارة في أميركا وكان تنظيم القاعدة الذي قاده أسامة بن لادن متهما اولا في التخطيط والتنفيذ بدعم مالي عراقي.. بعد الحادث وصف د. ترابي الولايات المتحدة الأمريكية بالمارد الجريح المتلهف للانتقام.. وسأل الله أن لا يكون السودان هدفا لضربة أمريكية.. وللتعرف على كيفية صرف الضربة عن السود أن وانزالها على العراق لابد من إضاءة تاريخية.
توافرت أسباب عدة اغضبت د. ترابي من نظام البعث العراقي في عهد صدام حسين.. فعلاوة على الخلاف الفكري بين الإسلاميين والبعث.. دعم نظام صدام الانقلاب الشيوعي في السودان بتاريخ ١٩ يوليو ١٩٧١ بقوات خاصة كان مقررا سيطرتها على مطار الخرطوم لولا إسقاط طائرتها من سماء جدة بواسطة القوات الأمريكية.. والرئيس صدام اعترف بتقديمه رشوة لشركة شيفرون الأمريكية لوقف نشاطها في السودان إبان حكم النميري.. المعلومات المتحصلة من خلايا البعث داخل الجيش منذ عهد النميري أوضحت استهدافهم للإسلاميين.. تنفيذ حزب البعث السوداني لانقلاب ٢٨ رمضان سنة ١٩٩٠ هدف للإطاحة بنظام الإنقاذ الإسلامي وكان د. ترابي قد تلقى محادثة هاتفية من الرئيس صدام مقدما اعتذاره عن تورط حكومته في الانقلاب.. فلم يقبل اعتذاره وتوعده بقوله : هذه لن تمر دون عقاب ( معلوم أن الترابي خريج قانون وعمل بالنيابة العامة والقضاء وأستاذا جامعيا وعميدا لكليةالقانون ومتخصص في الدستور وبالتالي فإن تكوينه العقلي والنفسي يلزمه بإنزال العقاب على الجاني المدان عدالة زجرا وجبرا ) … البعث السوداني هو الذي أظهر الإسلاميين بالمؤيدين للاحتلال العراقي للكويت حيث ذهبت تظاهرات البعث إلى منازل بعض قادة الإسلاميين وحملتهم على الأعناق وسط هتافات داوية.. في إشارة لتاييدهم الاحتلال.. فوضع الإسلاميين أمام الأمر الواقع فوهنت علاقة السودان بالكويت من بعد قوة .. بعد الغزو الثلاثيني ضد العراق وجه صدام الدعوة إلى د. ترابي لزيارة العراق للوقوف على نجاح نظام حكمه في صيانة ما دمرته الحرب. .. لبى وبعد عودته من بغداد عقد اجتماعا لبحث علاقات السودان الخارجية وقد وجهت لي الدعوة مع ضابطين آخرين من الأمن الخارجي لحضور الاجتماع .. مستمعين لامشاركين حتى نستفيد من آر اء المجتمعين وقدرات د. ترابي في إدارة الشأن الدولي وكيفية اتخاذ القرار .. تحدث عن زيارته للعراق وأعرب عن دهشته من إتمام عمليات الصيانة في وقت وجيز .. ثم قال : لاتنتظروا من العراق ( يقصد حكومة صدام) خيرا .
وبين عامي ٩٣ إلى ١٩٩٤ تمكنت من كشف ورصد شبكة تجسس عراقية هي الأكبر من نوعها اخترقت مؤسسات الحكم والإدارة والقوات النظامية.. وبعد ضبطها عادت بواجهة صوفية.. كل ذلك زاد من غضب د.. ترابي وتصميمه على معاقبة صداَم ونظام حكمه.
بعد كشف الشبكة العراقية وردني تكليف من رئاسة الجهاز بأن أكون في استقبال مدير مخابرات العراق ( ابوعمر) الذي سيحضر في زيارة سريه والإشراف على إقامته وتحركاته ومغادرته .. أوقفت سيارتي على بعد أمتار وتعرفت عليه بالوصف واصطحبته بسيارتي إلى فندق هلتون.. مكنته من إجراء ريارات لقادة البلاد ثم طلب مني توصيله إلى مقر المؤتمر العربي الشعبي الإسلامي وهناك وجدنا الاستاذين يس عمر الإمام وإبراهيم السنوسي و د. نافع والسفير العراقي في استقبالنا .. وجلس الجميع في صالة الضيوف .. دلفت والأستاذ السنوسي إلى مكتب د. ترابي لنطلب منه الحضور لتحية الضيف فاعتذر فاندهشنا وكان هذا أمرا محيرا .. طلب مني الذهاب إلى شركة دار الهجرة بالخرطوم الاستدعاء المستثمر أسامة بن لادن.. وجدت مسؤولا في الشركة وهو عراقي الجنسية وطلبت منه الاتصال بالسيد أسامة للحضور الي دار المؤتمر العربي.. تم الاتصال لاسلكيا وتحدث معي أسامة قائلا : هل حضر كل الضيوف؟.. فاجبته بنعم.. فقال لي : بعد ١٠ دقايق إن شاء الله اكون معكم.. وبالفعل حضرت العربة التي تقله.. وترجل منها وصافحني مبتسما.. هو طويل القامة ابيض مشرب بحمرة بسام بهي الطلعة واسع الفم ملتحي واسع الكفين عريض مابين المنكبين ضامر واسع الصدر قوي البنية سرريع وواسع الخطو .. كان يرتدي جلابية سودانية بلون بيج وعمامة بيضاء وينتعل شبشب جلدي.. بعد الترحيب والتحية جلس إلى جوار مدير مخابرات العراق وما أن بدأ الحوار حول كيفية كسر العراق للحصار الأمريكي الغربي وإمكانية التعاون بين المخابرات العراقية وجماعة ابن لادن.. حتى أشار إلى السنوسي بمغادرة. مكان إلا جتماع حسبما طلب منه السفير العراقي الذي كان حانقا علي لكشفي شبكته التجسسية ..فحمد الله على مغادرتي.. يقيني أن هذا الاجتماع قد صور بآلة تصوير سري وان د. ترابي وحده من يعلم ذلك بدليل اعتذاره عن مقابلة الضيف الكبير … عقب تفجير برجي التجارة في ١١ سبتمبر ٢٠٠١ هاتفني ضابط مقرب من د. ترابي وسألني عن حقيقة اجتماع ابن لادن بمدير مخابرات العراق.. فايقنت أن الاجتماع كان فخا نصبه د. ترابي لمعاقبة صدام ونظام حكمه.. وأرى أن فحوى الاجتماع كان هو السبب الرئيس في ضرب النظام العراقي وليس ما ساقه الغرب من أنه يمتلك أسلحة محظورة دوليا.
اواصل بحول الله.
د. طارق محمد عمر.
الخرطوم في يوم الأربعاء ١٤ ديسمبر ٢٠٢٢.