المقالات

عثمان جلال يكتب: الازمة أخلاقية (١)

الخرطوم تسامح نيوز

(١).
عبرة الصراع السياسي في السودان اثبتت ان كل النخب السياسية التي رفعت شعارات التهميش والعدالة والمساواة وكونت حركات مسلحة وحشدت الثوار وخاضت مواجهات عسكرية ضد السلطة المركزية لم تحقق غاياتها بالمنازلة العسكرية في الميدان بل عبر الحوار والتفاوض.

ولكن ما ان توقع هذه الحركات المسلحة اتفاقية سلام مع الطبقة السياسية الحاكمة في الخرطوم تتناسى قضايا التنمية المتوازنة والخدمات والعدالة والمساواة وتحيل الاتفاقية الى صفقة محاصصات حول كراسي السلطة وتمارس الاستبداد والتسلط داخل الهياكل التنظيمية للحركة المتمردة، ثم ترتد البندقية الثورية تقتيلا لثوار النضال والخنادق , ثم تنزع قيادة الجماعة المتمردة لاختزال الوظائف القيادية العليا في اسرة او عشيرة او قبيلة, وعندما تصعد الجماعة المتمردة الى منصة حكم الاقليم المهمش تفشل في انفاذ المشاريع الخدمية من كهرباء وتعليم وصحة ,وتفشل في التحول الى حزب سياسي مدني مفتوح لكل القوميات والمجتمعات السودانية
(٢).
لقد رفعت الحركات المتمردة في جنوب السودان منذ التمرد الاول عام ١٩٥٥ الى التمرد الثاني في الستينات والذي انتهى باتفاقية اديس ابابا ١٩٧٢ الى التمرد الثالث بقيادة دكتور جون قرنق عام ١٩٨٣ والذي انتهى باتفاقية نيفاشا عام ٢٠٠٥ , كلها رفعت شعارات العدالة والحرية والديمقراطية والفيدرالة والتنمية المتوازنة ولكن بعد الانفصال وميلاد الدولة الجديدة عام ٢٠١١ تلاشت كل هذه الشعارات وغدا الرئيس سلفاكير هو الحاكم المطلق,ولم تتحول الدولة الوليدة واحة جاذبة للديمقراطية والنهضة بل غدت دولة فاشلة بامتياز.

(٣)
لقد اصبحت شعارات التهميش والعدالة والمساواة اقصر طرق الوصول للقصر والمناصب للقيادات البرجوازية الصغيرة الانتهازية، والقائد البرجوازي الصغير هو شخص ينزع لحرق المراحل وذلك باستخدام البندقية والانقلابات العسكرية وهو يرفع شعارات الحرية والديمقراطية والعدالة الزائفة والكذوبة وذلك من اجل تحقيق طموحاته الشخصية والاسرية والعشائرية في الحكم ، بينما غدت ذات الشعارات ابعد الطرق لتحقيق احلام وتطلعات اهل الهامش اصحاب المصلحة الحقيقية في العدالة والحرية والتنمية المتوازنة وثالثة الاثافي ازداد اهل الهامش نزوحا وتشريدا ولجوء وتهميشا
(٤).
لقد استهلكت قضايا الهامش والمهمشين من القادة الانتهازيين حتى اصبح المتمرد حميدتي وهو صاحب اكبر بندقية صوبت لقتل ووأد احلام المهمشين المتحدث باسم قضاياهم وهم منه برٱءة ، ولكن تبقى العبرة والحكمة المستلهمة من تجربة الصراع السياسي في السودان ان الوسيلة الاستراتيجية لتحقيق قضايا البناء الوطني والديمقراطي في وطن يسع الجميع هي التدافع الفكري والسياسي والحوار الصبور والدؤوب بين الاحزاب السياسية المدنية، وتحييد البندقية تماما في ادارة الخلافات السياسية.

ان توظيف البندقية والانقلابات العسكرية في العمل السياسي مهما استبطنت من شعارات الديمقراطية والحرية هي محض انتهازية وخيانة لقضايا البناء الوطني والديمقراطية المستدامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى