المقالات

عثمان جلال يكتب :الفريق البرهان قائد معركة الكرامة

 

الخرطوم تسامح نيوز

 

(١).
اخطر المواقف في التاريخ السياسي الاسلامي اشارة عمرو بن العاص على معاوية ابن ابي سفيان برفع المصاحف على اسنة الرماح في موقعة صفين وكان هدفها احداث اضطراب وبلبلة تقود الى حركة انشقاقات وسط جيش علي ابن ابي طالب وقد كان . واخطر اشارة في التاريخ السياسي الاسلامي هي اقتراح المغيرة بن شعبة على معاوية بتوريث السلطة لابنه يزيد ائذانا بتحويل دولة الخلافة الى ملك عضوض ، وربقة الملك يعسر الخلاص منها ولاسيما عند استفحال الدولة بتعبير ابن خلدون، ويعزز ذلك عدم قدرة يقظة ضمير (معاوية ابن يزيد الحفيد )من استعادة مسار الشورى للدولة الاسلامية حيث تنازل عن العرش لمروان ابن الحكم، وايضا عدم قدرة عمر ابن عبد العزيز من تصحيح الخطأ الاستراتيجي رغم انه يوصف بخامس الخلفاء الراشدين فالنظام الملكي يورث ثقافة الانقياد ودين الانقياد والتسليم .
ونحن نرى ان اخطر اشارة في معركة الكرامة الوطنية الحالية هي الحديث عن ازاحة او ترجل الفريق البرهان من مركز القيادة السياسية والعسكرية ، لان هذا يعني احداث اضطراب قد يقود الى انشقاقات داخل الجيش السوداني تصب في صالح تمكين مملكة ال دقلو في السودان مما يعني تلاشي وتفكك السودان دولة وامة وهوية وثقافة وقيم
(٢).
فالتوصيف الدقيق ان هذه المعركة هي محطة تأسيسية فاصلة بين استمرار عملية التخلق لقضايا البناء الوطني والديمقراطي في حالة انتصار ارادة الجيش والشعب السوداني او القطيعة والانكسار في اغلال العبودية في حالة انتصار مليشيا ال دقلو
بالتالي فهذه معركة كل قطاعات المجتمع السوداني ويجب ان يكون لأي مواطن سوداني سهم فيها سواء بالمال او الدم او الوعي او الدعاء، وهذه ايضا معركة الجيش السودان منذ لحظة الميلاد والتأسيس حتى اللحظة التاريخية والمستقبل القادم فهي معركة قيادات وضباط وجنود الجيش الذين قضوا نحبهم شهداء في ميادين الشرف الوطني، او الذين ماتوا ميتة طبيعية وما بدلوا ، وهي معركة القيادات والضباط والجنود الذين تقاعدوا ولا زالوا على قيد الحياة ، وهي معركة القادة والضباط والجنود الذين في ساحة المنازلة فما وهنوا اذ تكسرت النصال على النصال انها معركة شرف الجندية وشرف الكاكي وشرف الجيش ، وشرف الوطن ، وشرف بنات وحرائر الوطن ، والفريق البرهان يدرك حساسية المعركة، ويدرك حساسية المواقف السابقة للمعركة ، وقد شاهد بسالة وثبات ونبالة شهداء الحرس الرئاسي والذين خاض معهم معركة بيت الضيافة في اليوم الاول لخيانة ال دقلو ومن هناك كانت بداية الانتصار وتحطم وانكسار مشروع الخيانة .
فالفريق البرهان يقود هذه المعركة وفي مخيلته كل هذا الإلهام التاريخي من البطولات والملاحم ونصاعة تاريخ الجيش السوداني وهو الاعرق في افريقيا والعالم العربي . ولذلك لا أشك مطلقا ان الفريق البرهان شعاره في هذه المعركة المصيرية هو النصر للشرف الوطني الباذخ او الشهادة.
(٣).
ولعل مسارات الحرب الحالية اثبتت ان الفريق البرهان يقود مؤسسة عسكرية وطنية ظلت دوما منحازة لارادة الشعب السوداني في الثورة والتغيير حتى وان تتطلب الامر التضحية برموزها في هرم الدولة كما فعلت في ثورة اكتوبر ١٩٦٤ ضد الفريق عبود، وثورة ابريل ١٩٨٥ ضد المشير النميري ، وثورة ديسمبر ٢٠١٨ والتي انتهت بعزل المشير البشير في ابريل ٢٠١٩. لذلك ظلت مواقف الفريق البرهان السياسية منسجمة مع المواقف التاريخية للجيش السوداني ، فقد دأب على حفز القوى السياسية على ضرورة التوافق لادارة المرحلة الانتقالية ، كما تعهد بتسليم امانة السلطة لحكومة منتخبة ديمقراطية ، بل بادر بدعوته لقيادات المكون العسكري والمدني بالترجل وافساح المجال لقيادات جديدة ، وهو القائد الوحيد في مخاض هذه المرحلة الانتقالية الذي حدد مساره المستقبلي بعد الانتخابات وهو العودة مزارع في مسقط رأسه بقرية قندتو في شمال السودان . وهو الذي رفض انفاذ الاتفاق الاطاريء قبل حشد اكبر كتلة من التوافق والاصطفاف حوله.
ولكن هل للفريق البرهان طموحات شخصية في السلطة كما يزعم البعض؟ ان كان ذلك كذلك سيكون مدخله الاستراتيجي ضرورة تحطيم مليشيا ال دقلو في الميدان العسكري، وهذا يفند مزاعم ان الفريق البرهان يخطط لمساومة جديدة مع مليشيا آل دقلو. وأما طموحاته في السلطة لن تتم إلا عبر رحم الاطر الدستورية والقانونية ، ولكن ما الحل اذا حاول الاستقواء بالمؤسسة العسكرية ؟ فان الترياق المجرب هو تكتل كل القوى السياسية والمجتمعية واستعادتها عبر ثورة شعبية وحتما ستنحاز إليها المؤسسة العسكرية الوطنية
(٤).
بالمقابل اثبتت مسارات الحرب الحالية ان اسرة ال دقلو ظلت توظف كل موارد الدولة السودانية المادية والاقتصادية والبشرية ، واستثمرت رمزية الدولة الخارجية لا من اجل نهضة السودان بل من اجل اقامة مملكة ال دقلو يتوارثونها جيلا بعد جيل، وهنا يكمن الفرق بين مؤسسة الجيش السوداني التي تضحي بقياداتها من اجل الشعب والوحدة الوطنية ، وبين مليشيا ال دقلو التي تحطم مؤسسات الدولة وتخرب المؤسسات العامة والخاصة وتقتل الشعب وتغتصب الحرائر من اجل اشباع نزوة المتمرد حميدتي في الملك السرمدي، في تجرد من النخوة والرجولة والاخلاق لم يبلغها حتى ميكافلي الاب المؤسس للانتهازية في الفكر السياسي عندما ذكر ، ان قتل المواطنين ليس من الفضائل ، كما ان التغرير بالاصدقاء وفقدان قيم الدين والرحمة يمكن ان تصل بك الى القوة لا الى المجد.
(٥).
لذلك فان واجب كل قطاعات المجتمع التراص والاصطفاف مع الجيش السوداني، قيادة وضباط، وضباط صف وجنود حتى تحطيم مليشيا ال دقلو واستعادة مسار الانتقال الديمقراطي بذات الارادة الجمعية والتلاحم بين الجيش وكل المجتمع.
فالثورة الديمقراطية العميقة يصنعها كل المجتمع، ويستعيدها كل المجتمع في حالة اختطافها عبر ايديولوجيا آحادية ويحرسها كل المجتمع بالتدافع الفكري والثقافي والسياسي في كل مخاضات مراحل الانتقال ومنحنيات الصعود والهبوط حتى مرحلة السيادة الثقافية للديمقراطية ومأسستها في بنية المجتمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى