
عثمان جلال يكتب: رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني
(1)
وهل أدار النبي صلى الله عليه وسلم الشأن الحربي بالرؤيا والوحي أم بتقديرات القائد العسكري الفذ ؟ السياسة في الدين ومنها الحرب وهي ادارة السياسة بأدوات العنف من العاديات والأصل فيه الاباحة والتفاعل معها وفق مقتضيات السياق التاريخي وتحدياته وقد أدار النبي (ص) القضايا الحربية من منطلق السلوك البشري للقائد العسكري.
ومنذ تنزل آيات القتال والمدافعة (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين) كان النبي ينظم الشورى مع الصحابة وذوي الدربة في الشأن العسكري ، ففي غزوة بدر أراد تحريض الجيش الإسلامي قبل منازلة جيش مكة، فانبرى للتعبئة بكلماتهم الفولاذية قادة المهاجرين أبوبكر وعمر والمقداد بن عمرو .
(2)
لما كان اتفاق بيعة العقبة الثانية مع الأنصار يقضي بالمدافعة عن النبي صلى الله عليه وسلم داخل المدينة والآن يتطلب الأمر تجديد البيعة قال النبي (ص) للأنصار: أشيروا علي أيها القوم، فنهض لبيعة النصرة والقتال قادة الأنصار سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة .
وقبل التحام الجيشين نزل النبي بالجيش الاسلامي في طرف الوادي قرب بئر بدر ، فقال الحباب بن المنذر الخبير في شؤون الحرب : أوحي يارسول الله أم هي الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال النبي : بل هي الرأي والحرب والمكيدة، فقال الحباب بل الرأي بأن تكون بئر بدر خلفنا ونرد الماء ولا ترد قريش ، وهنا نزل جبريل وقال للنبي الرأي ما أشار به الحباب وقد كان.
(3)
قبل غزوة أحد رأى النبي في رؤيا أن بقرا يقتل ، ورأى ثلما في زبة سيفه وكان تأويله للرؤيا أن نفرا من أصحابه سيقتل ، وفيهم من عترة بيته . لذلك كان رأيه صلى الله عليه وسلم قتال جيش مكة داخل المدينة من بيت إلى بيت ومن فوق أسطح المنازل، ولكنه نزل لمناشدة الشباب الذين ارتأوا المواجهة خارج المدينة مما أدى إلى هزيمة الجيش الاسلامي.
في غزوة الأحزاب استنار القائد النبي برأي سلمان الفارسي القاضي بحفر خندق للدفاع عن المدينة، ولما اشتد حصار الاحزاب اقترح التنازل عن نصف ثمار المدينة لقبيلة قطفان مقابل فك ارتباطها مع جيش مكة، ولكن رفض قادة الأنصار المقترح وأصروا على مناجزة الاحزاب بالسيف.

أما في صلح الحديبية فقد أمضى النبي صلى الله عليه الاتفاق مع قريش رغم معارضة كبار الصحابة انفاذا للتوجيهات الربانية وقد كانت شروط الصلح المجحفة في ظاهرها المهاد لفتح مكة ثم فيوضات الفتوحات الكبرى لحركة الدعوة الاسلامية في شبه الجزيرة العربية، وتخوم فارس والروم (إنا فتحنا لك فتحا مبينا).
(4)
تؤكد هذه الوقائع والغزوات العسكرية أن النبي صلى الله عليه وسلم تفاعل معها من مظان القائد العسكري الفذ الذي يصيب في مواطن كثيرة ويخطيء أحيانا ثم يتراجع امتثالا للشورى والجماعة ،وفي حالات نادرة ينفرد باتخاذ القرار السياسي رغم معارضة الصحابة انفاذا للتوجيهات الربانية. ولكن لم يمض أمرا في الشأن العسكري وفق تأويل رؤيا رغم ان الرؤيا من بشارات النبؤة ، فالتدابير العسكرية للجيش الاسلامي كانت تدار مع القادة والخبراء وفق التحديات التكتيكية الميدانية ، مع مراعاة الأبعاد السياسية والدعوية والاجتماعية ، والتمسك بأهداب العزة والكرامة على المدى الاستراتيجي.
(5)
إن رؤيا محمد هاشم الحكيم وزعمه أن النبي صلى الله عليه وسلم اخبره بنهاية الحرب في السودان، وضرورة التفاوض بين الجيش ومليشيا محمد بن زايد هي بشارة إن كان مسار التفاوض سيفضي إلى استسلام المليشيا المجرمة ورميها للسلاح. أما إذا كان التفاوض سيفضي إلى تسوية تعيد إنتاج وتدوير المليشيا في المشهد السياسي السوداني فإن هذه الرؤيا غير ملزمة لإرادة الشعب والجيش السوداني والتي قضت بمنازلة المليشيا في الميدان حتى الاستسلام أو القضاء الناجز عليها وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان.
الاثنين: 2025/6/2