المفاوضات بين من؟ و من ؟
سيكون خطأ قاتلا لو صدق وفد الجيش أن اهتمام أمريكا واجتهادها في حل الأزمة السودانية ليكسب الحزب الديموقراطي منها في انتخابات نوفمبر بعد ثلاث أشهر،
يبدو حتى الآن أن وصول وفد الجيش إلى سويسرا (لم تحدد المدينة حتى الآن) بات قاب قوسين أو أدنى، وهو تقدم رائع يستحق عليه الجيش التحية، فمعركة السلام لا تقل بسالة عن المعارك العسكرية، والفوز في معارك التفاوض و السلام جائزته أكبر لأنه يوفر الدماء ويمنح الوطن والمواطن عبورا سريعا من حالة التشريد والدمار واليأس إلى الاستقرار والأمان والتفاؤل بالمستقبل.
صحيح أن التأخر في اتخاذ قرار المشاركة في مفاوضات سويسرا أضاع زمنا ثمينا كنا في أمس الحاجة إليه – كما شرحت لكم في عمود سابق- فالمفاوضات مثل الامتحانات والانتخابات.
لا تعتمد على ما يدور في القاعة فقط، كما لا تعتمد الانتخابات على يوم الاقتراع وحده، بل تتطلب المفاوضات تحضيرا مدروسا بعناية، قد يكون من ضمنه اجراءات تتخذ و تفاهمات مع عدة أطراف قبل الوصول إلى سويسرا.
مفاوضات سويسرا ليست بين الجيش والدعم السريع كما يعتقد معظم المتابعين، لا.. هي مفاوضات بين الدولة السودانية والمجتمع الدولي.. ومن هنا يجب أن تنبع رؤية وفد الجيش المفاوض.
تسألني كيف؟
سبق لي أن قلت هنا أن 90% من أوراق المفاوضات في جيب وفد الجيش السوداني، والغالبية العظمى من هذه الـ90% هي الأوراق التي تسند الجيش في مواجهة المجتمع الدولي كله.
ومن هنا على وفد الجيش المفاوض أن يدرس جيدا وبصورة لا تقبل العواطف والاستهانة، ماهي انشغالات و اهتمامات Concerns and Interests لكل أصحاب المصلحة Stakeholders في العالم والاقليم.
ابتداء بدولة الوساطة هنا، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، ثم دولتي الاستضافة المملكة العربية السعودية وسويسرا، ثم الدول والمؤسسات المراقبة، و هي جمهورية مصر العربية و دولة الامارات العربية المتحدة، والأمم المتحدة و الاتحاد الأفريقي.
سيكون خطأ قاتلا لو صدق وفد الجيش أن اهتمام أمريكا واجتهادها في حل الأزمة السودانية ليكسب الحزب الديموقراطي منها في انتخابات نوفمبر بعد ثلاث أشهر، هذه محض سذاجة سمعت كثيرا من المعلقين يرددونها دون أن يطرف لهم جفن.
من يقول بذلك لا يفهم السياق الأمريكي الذي يفرق بين الأهداف المرحلية قصيرة المدى والأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى العابرة للدورات الانتخابية.
أقل ما يجب أن يستعد به وفد الجيش المفاوض دراسة عميقة مفصلة لهذه الانشغالات والاهتمامات بصورة فردية لكل دولة أو منظمة. ثم تبدأ مخاطبة هذه الانشغالات و الاهتمامات بما يناسبها من وسائل.
وطبعا كان الأفضل أن تكون المساحة الزمنية كافية لإقلاع هذه العمليات التحضرية بأفضل وجه، لكن بكل أسف -كما أسلفت- ضاع وقت ثمين في المحاججة غير المنتجة، و لا تزال هناك فرصة ولو بدرجة أقل من المشتهى.
ربما تسألني لماذا اعتبر أن طرفي المفاوضات هما الدولة السودانية من جهة والمجتمع الدولي من جهة أخرى..
سأشرح لكم..