المقالات

عريب الرنتاوي ✍️ زيارة في “الوقت المستقطع”…ما الذي يحمله بايدن في جعبته للمنطقة؟

 

التحضيرات لأول زيارة رئاسية يقوم بها جو بايدن للشرق الأوسط، والمُنتظرة في أواخر يونيو القادم، جارية على قدم وساق…التحضيرات تشمل لقاءات الرئيس وبرنامج عمله، والموعد المحدد لإتمامها، تزامناً مع انعقاد قمتي مجموعة السبع والناتو (ألمانيا 26 يونيو، إسبانيا 28 منه)، قبلهما أم بعدهما، “في الوقت المستقطع” كما يُقال، كما أن بحثاً آخر أكثر أهمية، يجري بالتوازي، خلف أبواب مغلقة، للنظر في احتمال ترتيب قمة إقليمية، تعقد في إسرائيل، ويشارك فيها عدد من قادة الدول العربية، في إعادة إنتاج، أرفع مستوى، للقاء “النقب” الوزاري السداسي، والذي جمع إلى جانب وزيري خارجية الولايات المتحدة وإسرائيل، وزراء خارجية كل من المغرب والإمارات ومصر والبحرين.
زيارة الرئيس بايدن، تستدعي إلى الأذهان، أول زيارة قام بها سلفه، دونالد ترامب للمنطقة، و”تغري” الكاتب باستدعاء بعض المقارنات… ترامب لم ينتظر أكثر من أربعة أشهر على توليه مقاليد البيت الأبيض حتى اختار السعودية وجهةً لأولى زياراته… بايدن انتظر ستة عشر شهراً لفعل ذلك، واختار إسرائيل وجهة أولى له… ترامب تمكن من إتمام ثلاث قمم في قمة واحدة (سعودية – أميركية، خليجية -أميركية، وأميركية – عربية – إسلامية)، بايدن أوفد جاك سوليفان مستشاره للأمن القومي، للنظر في إمكانية استدعاء عدد من قادة “المسار الإبراهيمي” وربما مصر والأردن، لقمة على عجل في إسرائيل، استجابة لرغبة إسرائيلية.
ترامب سعى في تشكيل حلف استراتيجي شرق أوسطي، أُعلنت مبادئه في قمة الرياض، وطغى عليها ملفا محاربة الإرهاب و”الملف النووي” الإيراني… في حين يسعى بايدن لـ “شدّ عصب” حلفاء واشنطن، وتأمين احتشادهم خلفها في حربها الكونية مع روسيا، في أوكرانيا وعليها.
ترامب نجح في انتزاع “صمت” و”تواطؤ” قادة عرب وخليجيين ومسلمين، ليمرر لاحقاً مشروعه الذي عُرِف باسم “صفقة القرن”، نظير ضمانات وحمايات وصفقات تسلح فلكية… بايدن الذي عارض مشروع سلفه لفظياً، أبقى فعلياً، على عناصر جوهرية منه: الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، إبقاء السفارة الأميركية فيها، الالتزام بـ”المسار الإبراهيمي” غير المشروط بإنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والعربية، والاكتفاء بتصور ضبابي حول “رؤية حل الدولتين” والدوران في حلقات “التهدئة” و”إجراءات بناء الثقة” المفرغة.
نبأ زيارة بايدن لإسرائيل، وقع “برداً وسلاماً” على أسماع حكومة بينيت – لبيد وائتلافها الهجين والهش، فالزيارة بحد ذاتها، هي تكريس للنجاح في استعادة مناخات الثقة مع إدارة ديمقراطية، بعد أن اهتزت علاقات إسرائيل تحت قيادة نتنياهو بالحزب الديمقراطي في العقد الأخير… والقمة العربية – الأميركية – الإسرائيلية، إن التأمت، ستكون بمثابة هدية مجانية كبرى، تقدمها إدارة بايدن لحكومة بينيت، التي تسعى لتكريس مكانة إسرائيل، كدولة قائدة لمحور أمني إقليمي، يسعى في “ملء فراغات” كثيرة في المنطقة، ويعمل وفقاً لأولويات “نظرية الأمن الإسرائيلية”، من دون التزام من قبلها، بإنهاء الاحتلال، أو حتى تجسيد “رؤية بايدن” الضبابية لحل الدولتين، بل ومن دون استعداد للانخراط في مسار تفاوضي مع الفلسطينيين، حتى وإن كان من النوع الأجوف والمفرغ من أي مضمون، كما كان عليه حال هذه المفاوضات، طوال أزيد من ربع قرن.
إسرائيل أيضاً، “فرحة” بالزيارة، وفقاً لتسريبات اثنين من مسؤوليها، كونها تعيد التزام واشنطن بالإقليم، وهي رسالة تكتسب أهمية إضافية، وفقاً للمصادر، جراء تفشي القناعة لدى حلفاء واشنطن، بأن الأخيرة أدارت ظهرها لهم، ولم تعد تولي إقليمهم الأهمية الاستراتيجية التي طالما احتلها في حسابات الأمن الاستراتيجي – الكوني للولايات المتحدة.
لكن “فرحة” إسرائيل بالزيارة والحظوة التي نالتها من إدارة بايدن، ليست خالصة تماماً، فثمة في برنامج عمل الزيارة وجعبة الزائر، ما قد يعكر صفوها ، سيما إن أصر الرئيس الأميركي على زيارة القدس الشرقية، حتى وإن كان الهدف مستشفى المقاصد الخيرية، المجرد من أية دلالات سياسية… إسرائيل لا تريد الزيارة من أصلها، إن كانت تستبطن رسائل تتصل بموقف أميركي من القدس الشرقية مغاير لموقف إدارة ترامب… هنا لا تتوقف المحادثات التحضيرية عند الزيارة بحد ذاتها، بل تتخطاها إلى بعض الجوانب الإجرائية المحمّلة بالدلالات السياسية والرمزية من نوع: هل يرافق الأمن والبروتوكول الإسرائيليين الرئيس الأميركي في هذا المقطع من زيارته، أم أنها ستتم بحراسة أميركية خالصة، ومن دون تدخل إسرائيلي مباشر أو علني؟ .

عريب الرنتاوي، مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى