المقالات

عريب الرنتاوي: مجلس رام الله المركزي، خطوة للوراء تستدعي خطوة للأمام

متابعات -تسامح نيوز

عريب الرنتاوي: مجلس رام الله المركزي، خطوة للوراء تستدعي خطوة للأمام

عريب الرنتاوي

لولا بعض فضول اجتاح أوساطاً سياسية وشعبية فلسطينية، لمعرفة هوية من سيصبح “رجلاً ثانياً” في منظمة التحرير، لما تابعت هذه الأوساط مجريات ووقائع أعمال الدورة الحالية للمجلس المركزي للمنظمة … ولولا بعضٍ من “كلمات نابية” صدرت عن الرئيس الفلسطيني في حق حماس، لما اهتم أحدٌ بخطابه الافتتاحي في الدورة المذكورة …

صورة المنظمة والقيادة الفلسطينيتين، في أذهان شعبها، محمّلة بالشكوك والاتهامات وانعدام الثقة واليقين…تلكم ليست تقديراتنا، تلكم خلاصة عشرات استطلاعات الرأي العام التي أجريت قبل “طوفان الأقصى”، وبالأخص بعده.

في السياق

الدعوة لتفعيل منظمة التحرير، بعثها وإحيائها، تفعيلها ودمقرطتها، صدرت بلسان مبين، عن كل فلسطيني وفلسطينية، استشعر أو استشعرت، خطورة المرحلة وجسامة التحديات الراهنة …

عريب الرنتاوي: مجلس رام الله المركزي، خطوة للوراء تستدعي خطوة للأمام

لكن هذه الدعوات والمبادرات، التي انخرطت بها أوساط رسمية عربية (الدوحة والجزائر والقاهرة) ودولية نافذة (موسكو وبكين)، ذهبت أدراج الريح، وظلت صيحات في وادٍ سحيق، لم تقابل إلا بإعلاء جدران الصدّ والتعطيل، من قبل قيادة استمرأت الاستئثار والتفرد، ولم تفكر للحظة واحدة، في إجراء المراجعات المطلوبة، والتخلي عن الرهانات الخائبة، حتى حين اقتربت نيران الاستيطان والمستوطنين، وهمجية اليمين الفاشي المتحكم بتلابيب القرار في تل أبيب، من ثيابها.

إذن، لم تأت الدعوة لانعقاد المجلس في سياق الاستجابة لضرورات “ترتيب البيت الفلسطيني”، وترميم ما أصابه من شقوق وتصدّعات، كما تقول “ماكينة الدعاية” في رام الله، بل في سياق آخر، مغاير تماماً … ولقد كان واضحاً، أن انعقاد المجلس المركزي الذي اغتصب سلطات أعلى سلطة لدى الشعب الفلسطيني: المجلس الوطني، وصار ينوب عنه، فيما يعنيه وما لا يندرج في إطار صلاحياته، قد جاء فاقداً لـ”نصابه السياسي”، حتى وإن توفر على نصاب قانوني “شرعي” ظاهرياً.

المجلس انعقد في غياب فصائل المقاومة الأساسية، لم تدع حماس إليه، وهي غير ممثلة فيه على أية حال، وكذا الحال بالنسبة لحركة الجهاد الإسلامي، والمجلس انعقد بمقاطعة رسمية معلنة من قبل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والمبادرة الوطنية …

مع أن المجلس وضع في صدارة أهدافه، ترتيب البيت الداخلي، والرئيس الذي وصف فصيلاً فلسطينياً أساسياً بأقذع الأوصاف، وأكثرها ابتذالاً، هو ذاته الذي زعم بأنه وجّه لجنته التنفيذية، للبحث في سبل استعادة الوحدة وترتيب البيت الداخلي.

على أية حال، لم يعد خافياً على أحد، أن انعقاد المجلس بعد تسعة عشر شهراً على حرب التطويق والتطهير والإبادة، لم يأت في سياق فلسطيني وطني داخلي، يُعنى بِجَبهِ التحديات والارتقاء إلى مستوى الكارثة والبطولة التي يسطر أهل غزة ومقاومتها، بدمهم الغزير، فصولها وصفحاتها يومياً، وإنما جاء في سياق التكيف مع إملاءات الخارج، الرامية إلى إعادة تكييف وتأهيل السلطة والمنظمة، للتساوق مع شروط “اليوم التالي” ومندرجاته..

عريب الرنتاوي: مجلس رام الله المركزي، خطوة للوراء تستدعي خطوة للأمام

.من هنا يمكن تفسير مشاعر الريبة والشك، التي ميّزت نظرة الشعب والفصائل لهذا الحدث، الذي بدا هزيلاً ولا يليق باللحظة الفلسطينية وما تستبطنه من مخاطر وتحديات جسام.

في السياسة

أما في السياسة، فكان مؤسفاً هذا الاسفاف في لغة التخاطب مع مكونات الشعب الفلسطيني وكياناته، وهو أمر غير مسبوق، أو نادر على أقل تقدير، في التجربة الفلسطينية … على إن الاسفاف في اللفظ وحده، لا يختصر المسألة، ولا يقلل من دلالة رسائلها.

فالقول بأن قضية “الرهائن” هي ذريعة إسرائيل للمضي في حرب التطهير والإبادة، مردود على أصحابه تماماً، بدلالة ما قاله بتسئليل سموتريتش قبل يوم واحد فقط من انعقاد المجلس المركزي، حين باح بأن تحرير هؤلاء ليس في صدارة أولويات الحرب على غزة، وإنما تدمير حماس وتهجير أهل القطاع، وبسط السيادة الإسرائيلية على الشريط، وبناء مدن استيطانية تكفل غلق هذا الملف، مرة واحدة وإلى الأبد

وإذا كانت قضية الرهائن، أو الأسرى والمحتجزين، والحاجة لـ”تحريرهم” هي “ذريعة إسرائيل للمضي في حرب الإبادة العرقية، فما هي ذريعتها، وهي تنكل بالضفة الغربية، وتستبيحها طولاً وعرضاً … ما هي ذريعتها، وهي تخضع قيادة السلطة، بمن فيها الرئيس شخصياً ورئيس حكومته ووزرائه، لأكثر الإجراءات إذلالاً عند الحركة والتنقل، داخل الضفة والقدس، ومنها إلى الخارج … ما هي ذريعة إسرائيل وهي تمضي بأقصى سرعة، في عمليات القضم الزاحف للأرض والحقوق والمقدسات الفلسطينية … ما هي ذريعتها وهي تسطو على أموال المقاصة وتفرض تجويعاً حتى على العاملين في أجهزة السلطة ودوائرها؟

ولماذا يتنطع فلسطينيون في مواقع المسؤولية، وهنا الحديث عن رأس السلطة، لتسويق وتسويغ الرواية الإسرائيلية، في الوقت الذي يتفلت فيه قادة إسرائيل، من المستويين الأمني والسياسي، للكشف عن “الذرائع المختلقة” التي “فبركها” نتنياهو وأركان حكومته، للمضي في هذه الحرب، ولتعطيل التوصل إلى اتفاقات لأنهائها، وتبرير التنصل من الاتفاقات حال إبرامها … ألم تتناهى إلى رام الله، اعترافات يوآف غالنت الأخيرة عن “أنفاق فيلادلفي” المزعومة، وشهادات رونين بار عمّا كان تفعله الحكومة لإطالة أمد الحرب وتدمير كل فرصة لإنهائها، ومن خلف الرجلين، بما يمثلان، رهط من كبار المسؤولين ورؤساء الحكومات السابقين، وزعماء المعارضة، الذي ما انفكوا يلقون باللائمة عن استمرار الحرب، على نتنياهو وحكومة اليمين الفاشي.

من هنا، حقّ للفلسطينيين أن ينظروا بعين الريبة والشك لهذا الاجتماع، المحسومة نتائجه سلفاً، فهو لم ينعقد أصلاً، إلا في سياق “هندسات اليوم التالي”، لطي صفحة المقاومة وفتح صفحة التساوق مع مخرجات الحل الإسرائيلي المدعوم أمريكياً: ألم يقل ترامب قبل يومين فقط، أنه ونتنياهو يقرأان من الصفحة ذاتها؟ … أما حكاية إصلاح المنظمة، وتجديد دمائها، وتغيير قادة أجهزتها، وانتخاب “نائب للرئيس”، فتلكم بضاعة لم تعد تجد من يشتريها، لا من الفلسطينيين، ولا من أصدقائهم والعارفين بدهاليز تركيباتهم الداخلية.

لم يبق فلسطيني واحد، إلا وطالب السلطة والرئاسة باختيار “نائب للرئيس”، سيما مع تمادي الرئيس في الكِبَر، ولطالما كانت نتائج هذه المطالبات، وبالاً على المطالبين بها … اليوم، تستيقظ الرئاسة على الحاجة لترسيم موقع “الرجل الثاني”،

وهي حاجة (اقرأ إملاء) تأتي كمتطلب خارجي مشروط بأن يحتل هذا الموقع، من هو أكثر اتساقاً وتساوقاً مع معطيات الهيمنة الإسرائيلية – الأمريكية المنفلتة من كل عقال، ودائماً لضمان وجود “خاتم” فلسطيني على أية صفقة أو تسوية، تكتيكية كانت في سياق ما بعد الحرب على غزة، أو استراتيجية تتصل بمستقبل القضية والمشروع الوطنيين الفلسطينيين…ليس هذا ما طالب به الفلسطينيون لسنوات طويلة … تلكم إملاءات عواصم عربية ودولية، منخرطة في مشروع إعادة تشكيل و”هندسة” الشرق الأوسط، وفي القلب منه، فلسطين.

 

خطوة للوراء… خطوة للأمام

وبدل أن يكون انعقاد المجلس بعد طول غياب وتغييب، سبباً يدفع للتفاؤل بإمكانية استرداد العافية للمنظومة السياسية الفلسطينية، وتوحيدها بعد إصلاحها وبعثها، جاء انعقاد المجلس ليعمق الانقسام، ويزيد من حدة وخطورة الشرخ، سيما في ضوء المواقف الناضحة بكل مشاعر العداء لقسم لا يستهان به من فصائل العمل الوطني، ذات النفوذ والشعبية الوازنتين … وبات واضحاً لكل أعمى وبصير، أننا أمام خطوة للوراء، وأن ملف المصالحة قد طوي تماماً، وأن الرهانات على عودة الوعي ويقظة الضمير الوطني، قد خابت وطاشت سهامها.

لم يعد المجلس المركزي، تجسيداً للتعددية الفلسطينية، السياسية والاجتماعية والجغرافية والثقافية، بل صار أداة مطواعة لفريق متنفذ، يُستدعى “غبّ الطلب”، وغالباً لتمرير وتشريع قرارات وسياسات محفوفة بالالتباسات والشبهات … فقد المجلس صفته التمثيلية الجامعة، وتحوّل إلى غطاء تحتمي به “ترويكا” القرار في رام الله، بمعزل عن بقية فصائل العمل الوطني، وعن جزء كبير من فتح ذاتها، دع عنك القوى الحيّة من شعب فلسطين، من خارج فصائله وقواه المنظمة…ولهذه الأسباب مجتمعة، بات الفلسطينيون يتحسبون لاجتماعاته ويتوجسون من دوافع الدعوات لانعقاده، بدل أن يستعجلون انعقاده المنتظم أو الطارئ.

تُبقي هذه التطورات الباب مفتوحاً لخيار وحيد، سيشكل إن تم، خطوة للأمام: المضي قدماً على طريق تشكيل أوسع ائتلاف وطني فلسطيني، في إطار جبهة وطنية متحدة، تضم فصائل المقاومة وألوف الشخصيات الوطنية والحراكات الشبابية والمبادرات المجتمعية، ذوداً عن منظمة التحرير وبهدف استرداد وتحريرها من أيدي خاطفيها… يبقى الخيار المتاح، الكف عن طرق الأبواب الموصدة بإحكام، والعمل على تفتيح أبواب وقنوات التواصل والتفاعل بين القوى الحيّة والفاعلة في الشعب الفلسطيني، من أجل منع مزيد من الانهيارات في جدران الموقف الوطني الفلسطيني، واستنقاذ ما يمكن إنقاذه من منظومة “الممثل الشرعي الوحيد”، وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، الذي لم يواجه يوماً، مخاطر التصفية، مثلما يواجه الآن، وبانخراط مباشر وغير مباشر، من بعض الفلسطينيين وأبناء جلدتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى