المقالات

عريب الرنتاوي يكتب : تداعيات على هامش الزلزال الأفغاني

17 آب/ أغسطس 2021
(1) هزيمة وليست مؤامرة
إن لم يكن الحدث الأفغاني هزيمة نكراء للولايات المتحدة و”الناتو” وحلفائهما، فما هي الهزيمة إذن؟ … هزيمة لم تستطع كلمات الرئيس بايدن المرتبكة والمتلعثمة، محو آثارها أو التقليل من وطأتها … حتى “حرب الصورة” التي حرصت واشنطن على تفادي خسارتها، حين أصدرت تعليماتها لطاقم سفارتها في كابول بحرق كل قصاصة عليها شعار السفارة أو خاتمها، حتى لا تستغل من قبل طالبان، حتى هذه الحرب خسرتها واشنطن، بعد بث المشاهد “المرعبة، المخزية” من مطار كابول، وتساقط جثث أصدقاء واشنطن من الأفغان، من السماء وتحت عجلات طائرات الإخلاء…ولا أدري لماذا انتابني إحساس وأنا أرى الجموع تزحف صوب مطار كابول طلباً للنجاة، بأن هؤلاء ليسوا مترجمين ومتعاونين فحسب، بل وقادة المجتمع المدني الأفغاني الذي عاش عقدي ازدهار، متكئاً على الأوهام والوعود والتعهدات التي داستها عجلات الطائرات الأمريكية العملاقة.
المهووسون بـ”نظرية المؤامرة” تحدثوا عن سيناريو معد من “غابر الأزمان” يقضي بإجراء عملية استلام وتسلم بين القوات الأمريكية ومقاتلي طالبان، والهدف “التآمر” على الصين وروسيا وإيران، ولقد تغذّت هذه النظرية بتصريحات خرقاء للرئيس بايدن، قال فيها أن الصين وروسيا لا تريدان شيئاً أكثر من غرق واشنطن في حرب استنزاف أفغانية لقواتها ومواردها في بلاد الأفغان … مثل هذه النظرية، لا تصمد طويلاً أمام إجماع المراقبين والمحللين والخبراء، القديم الجديد، بأن طالبان ستعاود سيطرتها على أفغانستان ما أن تكمل القوات الأطلسية انسحابها عنها، ولقد ذكرني صديق بمقال قديم للغاية، كنت قلت فيه: “هزمت طالبان في أقصى الأرض ولكنهم من بعد غلبهم سيغلبون”، ليست نبوءة، ولكنها سنة الحياة وقوانين الحرب والصراع، سيما في أفغانستان، مقبرة الامبراطوريات، وفقاً للقول الذائع الذي عاد بايدن لتذكيرنا به.
صحيح أن دخول كابول نظمته ترتيبات أبرمت في الدوحة، لكنها ترتيبات ربع الساعة الأخير، أملتها حاجة واشنطن لانسحاب وإجلاء آمنين، ورغبة طالبان في استعادة العاصمة الكبيرة، من دون عناء أو تضحيات أو مجازر … هذا لا يعني أن المشهد الأفغاني مُعدّ برمته، وفقاً لسيناريوهات نظرية المؤامرة … في أفغانستان، ثمة فريق منتصر وآخر مهزوم، ومن الحمق السعي لإخفاء هذه الحقيقة، حقيقة أن واشنطن هزمت تماماً، وأن طالبان سجلت فوزاً مؤزّرا … لا يمكن إخفاء أوجه الشبه بين كابول 2021 وسايغون 1975، مع الفارق، والفارق هنا في صالح طالبان، فهي تهزم الإمبراطورية الأعظم في “عزّ” نظام القطب الواحد، بينما هزم “الفيتكونغ” الولايات المتحدة، في ذروة الحرب البادرة، وبدعم كثيف من قطبين دوليين: روسيا والصين … طالبان لم تتمتع بهذه الحظوة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى