عريب الرنتاوي يكتب : فلسطين بين “التهدئة” المسمومة و”الثقة” المفخخة

وكالات /تسامح نيوز
الأربعاء 28 تموز/يوليو 2021
حركة الاتصالات والمبادرات الدبلوماسية التي تدور في فلسطين وحولها، تكاد تراوح ما بين حدين اثنين: “التهدئة” بين حماس وإسرائيل، واستعادة “الثقة” بين الأخيرة والسلطة الفلسطينية…بين هذين العنوانين الرئيسين، يتحرك الوسطاء والمبادرون، ودائماً تحت سقف استراتيجية أمريكية جديدة، جاءت بها إدارة جو بايدن، وترمي إلى احتواء مختلف الأزمات وإداراتها، وتبريد بؤر التوتر وإطفائها، من دون أن ترغب، أو تقوى إن رغبت، على حل أيٍ منها، حلاً جذرياً، أملاً في توفير الوقت والجهد للتفرغ لمعالجة التحديات الأكبر والأخطر، على جداول أعمال واشنطن العالمية.
ونقول “تهدئة مسمومة”، لأنها لا تعني شيئاً سوى تبديد طاقة الشعب الفلسطيني وإضعاف قدرته على مقاومة الاحتلال والاستيطان والعنصرية … وتمرير حلقة إضافية من حلقات “السلام الاقتصادي”، ومن دون أن يُفتَح أفق جديد، لحلول جذرية ونهائية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، أو حتى تقديم وعود ملزمة بالتوصل إلى مثل هذه الحلول … هدف “التهدئة” الحفاظ على “الستاتيكو” في المناطق الفلسطينية المحتلة، سيما إن علمنا بأن السلطة، ومعها إسرائيل، تطالب بأن تعم التهدئة جبهات القدس والضفة الغربية، بدل أن تقتصر على حدود قطاع غزة المحاصر.
أخطر ما في هذه المقاربة، أن “الستاتيكو”، كما عامل الوقت، لا يمتد في الفراغ في الحالة الفلسطينية، إسرائيل لا تعرف “الستاتيكو”، وعقارب ساعة الاستيطان لا تتوقف عن الدوران بتاتاً، ومشاريع “أسرلة” القدس وتهويدها، تتسارع باطّراد، والمستوطنون يتكاثرون كالنبت الشيطاني، ويزدادون تغوّلاً على المشهد السياسي والحزبي في إسرائيل … فيما الحالة الفلسطينية تشهد مزيداً من الضعف والتفكك، ويغرق الفلسطينيون تحت سلطتي غزة ورام الله، في مستنقعات الانقسام والفساد والاستبداد والحوكمة غير الرشيدة، وتُسحَب الكثير من البسط من تحت أقدامهم.
أما “الثقة”، التي تدور كثيرٌ من التحركات حول استعادتها وإجراءات بنائها، فلا تعني شيئاً، بغياب أي أفق لحل عادل وشامل، سوى التوطئة لـ”التهدئة” الشاملة أولاً، وشارة الانطلاق لمرحلة جديدة من مشروع “السلام الاقتصادي” ثانياً، وتكريس للستاتيكو وتجريد الفلسطينيين من روح المقاومة والانتفاض ثالثاً، وخلق بيئة ضرورية، لاستمرار المسيرة الممتدة للاحتلال ذي الخمسة نجوم رابعاً.
“التهدئة” التي يُراد تكريسها، كما “الثقة” التي يُراد استعادتها، ليست في واقع الحال، سوى “تسوية حساب” مع “انتفاضة القدس وسيفها”، حين خرج الشعب الفلسطيني بكل فئات وشرائحه، ومن مختلف أماكن تواجده، في هبّة شعبية واحدة، مستعيداً لحمته ووحدته، شاهراً كل ما بحوزته من أدوات كفاحية، مسلحة وسلمية، ليعيد فلسطين إلى جغرافيتها الأولى، وليلعن على الملأ، بدء العد العكسي لكنس نظام الاحتلال والاستيطان والفصل العنصري.
يكفي أن نقرأ “كيف قرأ الملك عبد الله الثاني”، انتفاضة القدس وسيفها، حتى نرى خسارتنا بتساوق القيادة الفلسطينية على ضفتي الانقسام، مع طروحات “التهدئة” واستعادة “الثقة”…فالحرب الأخيرة من على غزة، وجهة نظره، لم تنته بمنتصر، ما يعني بلغتنا، نحن المراقبين، أن غزة خرجت منتصرة، فمنع إسرائيل من تحقيق النصر في ضوء حسابات القوة المختلة لصالحها، هو النصر المبين بعينه … وإسرائيل واجهت الحرب من داخلها في إشارة إلى انتفاضة فلسطينيي 48، ما أظهر “هشاشة” الواجهة الاقتصادية – التكنولوجية – العسكرية المتفوقة لهذا الكيان … هذه تقييمات ليست جزافية، سيما حين تصدر عن العاهل الأردني، ومن موقعه، ويتعين أن تحفر عميقاً في وعي ووجدان الفلسطينيين كما الإسرائيليين، ومن باب أولى أن يغّذ الفلسطينيون السير على هذا الطريق، لا أن يتوقفوا في منتصفه، بحجج وذارئع خادعة وزائفة، من نوع: “التهدئة” و”الثقة”.