مجتمع

عصام الدين الحاج يكتب : شندي تودع فادي اديب فاخوري

 شندي : تسامح نيوز

بين العيدين … العيد الكبير للاقباط الارثودوكس و العيد الصغير للمسلمين ( الفطر المبارك) . بينهما و تحديداً يوم (التامونه) الموافق ١١/ مايو/ ٢٠٢١م رحل عن دنيانا ( فادي اديب ) احد ابناء شندي الافاضل. والده اديب وجده فاخوري سيدهم. قدم جده لشندي من نقاده التابعه لمحافظه (قنا) بصعيد مصر في ثلاثينات القرن الماضي و استقر بشندي ليكون اول ( نقادي) يصل شندي. اعقبه في الاربعينات ابراهيم و شقيقه يوسف ابسخرون ثم جاء عمنا ( هابيل) و توالت هجره النقاده لشندي. سبق النقاده بشندي اقباط وفدوا من شمال مصر اولهم ( ميلاد سلامه) والد سعد ميلاد و اخوانه و ( ميصخائيل اسكندر) والد المقاول عطيه ميخائيل الذي شيد القياده الشماليه و معهد التربيه و مستشفي شندي ومركز شندي . ( جرس) والد باسكال و شقيقته ( نونو جرس) صاحبه الدكان الشهير بمربع واحد و في نفس الشارع الذي فيه دكان بنت عبيد الله و دكان النخيله محمد نصار وهو شارع تاريخي ازدهرت فيه تجاره النساء في ذلك الزمان المبكر ، ففي نفس الشارع كانت الحاجه ( واطياهن) تبيع ( النيفه ) وهي رؤوس البهائم التي برعت واطياهن في صناعتها و طهيها بالحراره لا بالنار او ما يسمي (التِنير)  و تبيع الحاجه ( الحامدابيه) الاواني المنزليه و تبيع ( ام منصور ) القنقليز و الدوم و النبق و تبيع ( كريم يدي) الدلكه و عطور النساء . و جاء لشندي ايضا ( سمعان ميخائيل ) والد ادوارد سمعان صاحب اكبر دكان ( مول ) و يبيع فيه كل شئ حتي ان اهلنا في شندي يقولون ان دكان ادوارد فيه كل شي حتي لبن الطير . جاء الاقباط بخبراتهم الكبيره في صناعه النسيج (النول اليدوي) و وجدوا منطقه شندي متخصصه في النسيج خاصه في المنطقه الغربيه بالجبلاب و النوراب. الحياه كانت سهله و بسيطه و العائله السودانيه يكفلها رب الاسره . جاء الاقباط و ادخلوا ثقافه جديده وهي العمل الجماعي . فالاسرة كلها تعمل وكنا نشاهدهم نحن اطفال وهم يواصلون الليل بالنهار في المنسج يتعاقبون عليه رجالاً ونساءً والصغار يعملون في تعبئه ( البوص) بالخيط في انسجام وتعاون كامل . يحسنون التدبير الامر الذي مكنهم خلال فتره وجيزه من تكوين ثروات كبيره . طوروا النسيج و اقاموا اول مصنع للنسيج في شندي ( مصنع البطل) شراكه بين صادق يوسف و صبحي ابراهيم و ابسخرون ابراهيم  و الوجيه حسين بيومي احمد . اسهم الاقباط اسهاماً واضحاً و فعالاً في كل جوانب الحياه بشندي خاصه الاقتصاديه .

ولد فادي بشندي . والدته (تميمه بنت ابراهيم ابسخرون) شقيقه صبحي و نصحي و ابسخرون . و شقيقه ( زوزو) زوجه صادق يوسف و ( صبحه) والده مكرم و اخوانه و ( كمونه) والده عبدالله و اخوانه . اشقاء فادي هما ( بولس) و (الفي)  . فاخوري سيدهم دكانه ملاصق لدكان ابراهيم ابسخرون الملاصق لقهوه التيمان . اشتهر فاخوري بعلاج الشقيقه وهي ما يعرف اليوم بالصداع النصفي تماما كما اشتهر ابراهيم ابسخرون بعلاج امراض العظام ( الكسور و الفكك و الردخ) . علاجهما ( الكمده بالرمده ) دونما حجز و رسوم و انتظار و روشته .فاخوري والد ( نظير) و ( اديب) . نظير عمل بالتجاره وهو والد ( جورج سكرتير الهدف- مجدي مدير البنك- مدحت – منير – عادل) ووالد الاستاذه ( حكمت ) الموظفه المثاليه ببنك الخرطوم . عمنا نظير من رواد نادي النيل و عضو دائم بتربيزه الوست و التي اشهر روادها المساعد الزين – جاد امين – الماحي موز- جاد الزاكي- صلاح النور- الارباب الزين سعد ود عبدالله ود سعد. عمل عمنا اديب في اصلاح الاجهزه الكهربائيه و التي كان اشهرها في عهده ( الراديو) كما عمل في مجال ايجار المايكروفونات للمناسبات قبل ظهور ( الساوند) . عندما يجرب المايكروفون يقول ( اوف .. اوف .. واحد .. اتنين.. ثلاثه) فداعبه حسن ابو دقن و كان ترزي في نفس المنطقه ( بختك يا اديب .. ربنا سهل ليك رزقك.. اوف .. اوف و تقبض . و نحنا ربنا جعل رزقنا في خرم ابره ) و يا سبحان الله فقد مرت الايام ليصبح عبدالعظيم ابن حسن ابو دقن صاحب اشهر محل للساوند و توابعه بشندي ليكون رزقه ( اوف .. اوف) كما اشتهي والده .  اشتهر اديب فاخوري بالسماحه و الكرم . لم يكن غنياً و لكنه كان سخياً .. يخدم الناس بدون مقابل و يسعد بذلك . يجهز المايكروفونات للصلاه في اعياد المسلمين مجانا و ينقلها بعربته الخاصه و يشرف علي تشغيلها. يتنقل بين الصلاه الرئيسيه غرب استاد شندي و الثانيه بميدان الامل ليطمئن علي كفاءه المايكروفونات . سار فادي علي درب والده . عاش محباً لخدمه الناس. عمل بالتجاره و تنقل في مجالاتها و انتهي به المطاف في تجاره الدواء . اولاده و الصيدلي الذي يعمل معه لا يرغبون في تواجده معهم بالصيدليه … لانه يمنح الدواء دون مقابل للمحتاجين .. و الاصدقاء و المعارف . كريماً معطاءً و كوالده لم يكن ثرياً . كان في مكنته لو كان قابضاً ان يكون اثرى الاثرياء .. و لكنه الطبع الذي يغلب التطبع . عاش في مجتمع شندي فاعلاً متفاعلاً .. صديقاً للكبير و الصغير .. المسلم و المسيحي . عاش جعلياً وسط الجعليين. ولده جورج يخلع ملابسه ( يركز و ينجلد بالسوط) في افراح و مناسبات اصدقائه كعاده الجعليين . الجعوله ثقافه و قد تشربوا بها. تزوج فادي ابنه خاله ( ميرفت نصحي ابراهيم) و انجب منها اولاده جورج – نانسي- إيليا .

قدم فادي و اسرته نموذجاً فريداً في التعايش التسامح الديني. عاشوا مع اهلهم في شندي الحبيبه لا يفرق بينهم شي . هذا يصلي في مسجده و ذاك يصلي في كنيسته و كل يحترم الاخر و يقدره . اصدقاء و احباب و عشيره . بكي اهل شندي فادي اديب كما بكوا قبله حزقبال توفيق. نامل ان يسير اولاد فادي علي درب والدهم . اصيب فادي بالسرطان و شفي منه ليقتله فايروس صغير !! و هكذا هي الدنيا الموت فيها في يوم محدد مكتوب و الامراض و الحوادث مجرد اسباب . ستفتقدك شندي كثيراً يا فادي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى