أخبار

علي بشري يكتب : كور اجينق (في حب يا اخوانا اكتر من كدة ) ..  

تسامح نيوز | الخرطوم

كنت قد نذرت صوما عن الكتابة والتواصل مع الكثير من الناس منذ مغادرتي عروس الرمال قبل سنوات عديدة ، اثرت الدخول في هدنة مع الذات والركون لاستراحة استجمع فيها الافكار واستلهم العبر ، اتامل غرس ما مضى بحلوه ومره ، واحصد عوائد ما انقضى بخيره وشره.

ما زلت في مواجهة مع النفس وعزلة اخترتها اجالس فيها نفسي، اعبئ الاوردة من اكسجين التامل واتعرف علي كثير مما فاتنا ونحن نتنقل من رهق الي نصب في دنيا المال والأعمال وقد

ذهبت انضر وابهى ايام العمر.

ولكن كيف لي ان امسك قلمي وجرح انفصال الجنوب الحبيب ما يزال ينزف حزنا.. كيف لا أكتب وقد التقيت بعد ينوات الانفصال باحباب من الحنوب العزيز كان آخرهم الزعيم كور اجينق .. احلى ثمار المدينة جوبا ، يتداعى فيها ركن ركين ويختلج في عينيها دمع سخين وتعتصرها عبرة من ذكريات دامعة جعلت من اجينق بسماحته وابتسامته المطبوعة على وجه ملائكي منير جسر للعبور بين قداسة (الاسلام ) وسماحة (المسيحية).

(كور اجينق)، جنوبي مسيحي (سليل قبائل الجنوب الوسيمة ) تجاوز الاسم رمزية المسمى في حكايات المدينة، اصبح جزء من ذاكرتها، تحسبه للوهلة الاولى نعتا ل(حديقة زاهية الازهار ) يلتقي عندها القادمون الى السوق، او تظنه على اللافتة المثبتة في المكان مزارا لقديس استثنائي حمله الاتباع الي بقعة طاهرة فصار قبلة للمريدين، لكن سرعان ما تكتشف انك امام (رجل من لحم ودم) توهط في النفوس ب(طيب الذكر ) و(سمح السجايا) فاصبح بوابة مشرعة باتجاه المعاني الكبيرة، لا تجده الا مبتسما يحادثك همسا وفي عينيه يتلاصف الوعي ويشع الاحترام، (تاجر شاطر) ، جواد، كريم سمح اذا باع ، اواشترى قضى او اقتضى، (انسان مختلف) استطاع ان ينسج علي ذاكرة الشماليين من عملوا بالتجارة بين جوبا والخرطوم ودولة الإمارات العربية وعلي رأسهم صديقي رجل المال والاعمال أمير الزغاوي سيرة انيقة لرجل (متفق عليه).

سيرة اكور (تاجر الاحلام) الذي تفرح بمقدمه الخرطوم كلما اتاها بسيرة تختزل رحلة تعايش جديرة بالتوثيق عاشها (اولاد جوبا ) ، في مجتمع (مسلم ) استقبلهم بكل حب واحتفاء، حكايات يرويها التعايش وتؤكدها السماحة والاحترام المتبادل حيث لا يشكل الدين حاجزا بين الناس وتنداح الانسانية قاسما معتمدا للتواصل بين مكونات مجتمع مضياف ومستنير. ظل أبناء (الجنوب) كما الاقباط النقادة جزءا عزيزا من تاريخ السودان ، يضبطون ايقاع المدينة على مذاق مختلف ، فكهين ، يجيدون صناعة الحياة بدربة الحاذقين، يعبئون شرايين المدينة بالمعرفة، وينسجون علي منوال الحياة الى جانب (الفردة وتوب الكرب، والدمور ) صلات المودة والحب والتراحم.

واينما حلوا اكسبوا المجتمع نكهة واضافوا اليه جمالا ومنحوه بريقا وبهاء، ظلوا قوة اجتماعية مؤثرة واقتصادية ضاربة في امدرمان والابيض ومدني وشندي وفي كل مكان اناخوا فيه برحالهم وصار مستقرا لترحالهم.

من المشاهد العادية جدا في ولايات السودان المختلفه ان تكون في (عزاء لأبناء الجنوب )

وتفاجأ ب(بروش الصلاة) متراصة مع قدوم موعد الاذان بينما الاباريق ملاي بمياه الوضوء للمعزين القادمين، (صواني أبناءالحنوب ) تسابق الجميع الى مكان الملمات..

نفخر بكور اجينق اسما ومعنى ورمزا يقودنا الي تحية وتامل مثال التعايش الذي جسده الرجل واهله ومنحه مجتمع الخرطوم لثلة اهله الخيرة ..

وستبقى المعاني، وسيظل الجنوب الحبيب محطة خالدة في حياة كل السودانيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى