
عمار العركي: الجيش يفي بوعده ويضحك أخيرا، الخرطوم حرة كما ينبغي
▪️في أيام الشك الأولى، حين كانت الحقيقة مشوشة، والخرطوم مكبلة، والمليشيا تجوس خلال الديار، خرج صوت هادئ في مواجهة صاخبة، على شاشة قناة الجزيرة. لم يكن الصوت مرتجفًا ولا مندفعًا، بل كان جنديًا يتحدث بطمأنينة الموقن في ساحة تتقاذفها الروايات والافتراءات.
▪️العميد “نبيل عبد الله“، الناطق الرسمي للقوات المسلحة، وقف يومها أمام أسئلة موجهة بحدة وريبة، وأمام إعلام بدا وكأنه مستعجل على نعي الخرطوم قبل أن تسكت المدافع.
لكن الناطق لم ينجرّ للسجال، ولم يُبدد الكلمات في جدلٍ مع مذيع، بل اختصر المشهد كله في عبارة سكنت في ضمير كل سوداني حر، تصلح لأن تكون في حد ذاتها نموذجًا ثابتًا لأي بيان انتصار وتحرير، سيما وأن تلك التصريحات التاريخية الخالدة كانت حاضرة في الأذهان لحظة بيانات تحرير الإذاعة، والقيادة العامة، ومصفاة الجيلي، وجبل موية، وسنجة، والسوكي، ومدني، وغيرها: “الحرب مراحل، والعبرة بالخواتيم، ومن يضحك أخيراً يضحك كثيراً.”
▪️وكانت تلك العبارة، في وقتها، بمثابة تعهد صامت من الجيش لشعبه: لن نتكلم كثيرًا، لكننا سنفعل الكثير.
▪️واليوم، بعد سبعة عشر شهرًا من تلك التصريحات والصمود والمعارك والبطولات، تكللت تلك الخواتيم بما هو أعظم من مجرد نصر ميداني.
▪️اليوم تتحدث الخرطوم بلغة التحرير. اليوم ترد الخرطوم التحية لمن أقسموا أن يعودوا إليها محررين، لا لاجئين.
▪️وفي بيان رسمي تلاه العميد نفسه، في مشهد تقف له القلوب قبل الأيادي، أعلن الجيش أن العاصمة السُودانية ولاية الخرطوم خالية من دنس المليشيا، وأن السودان يستعيد عاصمته، كرامته، وروحه.
▪️منذ ذلك اللقاء في بدايات الحرب وحتى لحظة البيان الأخيرة، كانت القوات المسلحة تكتب تاريخًا مختلفًا: تاريخًا لا يُدوَّن في صفحات الإعلام المأجور، ولا على منابر المراوغة الدولية، بل يُسطر على أرض الواقع، بدماء الشهداء، وصبر الجنود، ويقين القادة.
▪️فبين مشهد الحوار يومها، ومشهد البيان اليوم، تغير كل شيء إلا جوهر المعركة: معركة البقاء والسيادة والهوية. وها هي تتجه الآن نحو خواتيمها الحاسمة، وقد أُسقطت أقنعة المتآمرين، وانكشفت عورة التمرد، وحُصر في جيوب محدودة من غرب البلاد، يطارده الجيش في عمقه، ويلاحقه في جحوره.
▪️البيان الأخير لم يكن مجرد إعلان عسكري، بل كان رسالة وفاء وعرفان، وبلاغًا أخلاقيًا قبل أن يكون بلاغًا ميدانيًا. هو خطاب إلى الأمة بأن رجالها كانوا على الوعد والعهد، وأن الساعة التي طال انتظارها قد دقّت.
▪️اليوم، يثبت الجيش – مرة أخرى – أنه لا يُكثر الوعود، لكنه لا يُخلف عهدًا. وأنه، حين يتكلم، فإن كلماته تكون على هيئة فعل، وبياناته على هيئة نصر.
▪️وإن كانت الحرب لا تزال قائمة، فإن مؤشر ميزانها بات واضحًا: المليشيا تفر، والجيش يتقدم، والخرطوم تبتسم من بين الركام، لتقول: “وعدتم… فصدقتم.”