عمار العركي: الحرب الأمريكية على السودان، أدوات النفوذ والاختراق الناعم
متابعات | تسامح نيوز

عمار العركي: الحرب الأمريكية على السودان، أدوات النفوذ والاختراق الناعم
لا يبدو غريبًا أو مثيرًا للاستغراب أن تتحرك الولايات المتحدة بهذا العنف السياسي في مواجهة الدولة السودانية، وهي التي تنفرد بملف السودان منذ عقود. لكن ما يلفت النظر ويثير الانتباه حقًا هو توقيت هذه الحملة وحدّتها وطبيعتها متعددة الأدوات، ما يُحيل إلى قراءة عميقة بأن ما يجري ليس موقفًا عابرًا أو اختلافًا في وجهات النظر، بل هو حرب مكتملة الأركان، تنفذها واشنطن بأسلوب القوة الناعمة، وتستبطن أهدافًا استراتيجية أبعد من شعارات حماية المدنيين وحقوق الإنسان.
▪️تعكس الحملة الأمريكية الراهنة تصعيدًا غير مسبوق في استهداف الدولة السودانية، بدءًا من العقوبات، مرورًا بالتقارير المُسيّسة، ووصولًا إلى مواقف المبعوثين وتصريحات المسؤولين، وكلها تتسم بالانحياز السافر لمليشيا الدعم السريع.
وهو ما يكشف أن هذه الحملة لم تُبنَ على وقائع موضوعية، بل على رؤية استراتيجية تعتبر الجيش السوداني عائقًا أمام هندسة أمريكية جديدة للمنطقة ولابد من تفكيكه ثم تدميره مثل العراقي والسوري والليبي ، في اعادة إنتاج سناريوهات ومشاهد رسم الخرائط وتعزز المراكز والنفوذ.
*_السرديــة الأمريكيـــة ومفارقـــات المواقـــف :_*
▪️حين تنظر إلى مجمل الخطاب الأمريكي تجاه السودان، تُدرك أنه لا يقوم على الاتساق أو الاتزان، بل يتغذى على تناقضات حادة، منها مثلاً: أنهم يدّعون الحرص على وحدة السودان، لكنهم يُغذّون مليشيا تقاتل الدولة. يقولون إنهم يريدون حلاً سلميًا، بينما يدعمون طرفًا يرفض كل مبادرات التهدئة. يزعمون دعمهم للتحول المدني، بينما يفتحون الأبواب لمليشيا انقلابية ارتكبت فظائع بحق المدنيين!
▪️أما في ما يتعلق بالعقوبات، فإنها تكشف عن نية مبيتة لتقويض الدولة، إذ لا يُعقل أن تُفرض عقوبات على الجيش الوطني – في معركة وطنية – بينما يُغض الطرف عن المليشيا التي تمارس القتل الممنهج والنهب المنظم. هذه المفارقة تؤكد أن الهدف ليس السلام، بل فرض تسوية مذلّة تبقي السودان رهينة لحسابات الخارج، وتُجرد الدولة من قدرتها على فرض الاستقرار.
*_أدوات الحملــة الأمريكيـــة: من الساســة إلى الكتائــب الإعلاميـــة_*
▪️تعمل واشنطن عبر ثلاث أدوات رئيسية في تنفيذ حملتها الناعمة على السودان:
* العملاء السياسيون، وأبرزهم (مبارك الفاضل)، الذي لم يتردد في التماهي مع السردية الأمريكية والإماراتية، بدءًا من مشاركته في بيان القاهرة المنحاز، مرورًا بتشكيكه في موارد الدولة، وانتهاءً بتبريره لاستهداف البنية التحتية تحت غطاء مزاعم “الوجود الإيراني”. وهو نموذج قديم متجدد، يتقن التحول من خانة لأخرى، ويتنقل حسب المزاج الدولي، دون ثبات على موقف وطني.
* العملاء الإعلاميون السافرون، مثل الإعلامية (تسابيح مبارك خاطر)، التي تحولت إلى منصة أمريكية ناطقة بالعربية، تُروّج للدعم السريع وتسوّق الأكاذيب في الفضاء الإقليمي والدولي، في مشهد فاضح يفتقر إلى أدنى درجات المهنية أو الحياد.
* العملاء الإعلاميون المتخفون – هم الأخطر – مثل (عثمان ميرغني)، الذي يموّه رسائله ويُغلّفها بحِيَل لغوية وتحليلية، فيُمرر السردية الأمريكية بذكاء ويحميها بشكل غير مباشر ، ويبرر المواقف الأمريكية بعبارات مراوغة ، ساعيًا لحرق المقاومة الوطنية من داخلها، تحت ستار “التحليل الموضوعي”.
*_تماهي بعض الصحافيين مع الحملة: خفة العقل وخيانة القلم_*
▪️من المفارقات العجيبة أن تجد بعض الصحافيين ممن يُفترض أنهم أبناء هذه البلاد، يُسهمون في دعم الحملة الأمريكية عن وعي أو جهل. فهم يرددون ما تقوله المراكز الغربية، ويتبنون مصطلحاتها، ويروجون لرؤاها، بل ويمعنون في شيطنة الجيش الوطني، وتبرئة المليشيا الغازية، في مشهد يكشف عن أزمة أخلاقية ومهنية عميقة. هؤلاء لا يختلفون كثيرًا عن العملاء، لأن الفرق بين الخيانة والغفلة في هذه المرحلة الحساسة يتلاشى حين تكون النتيجة واحدة: دعم الحملة المعادية وتفكيك الجبهة الوطنية.
*_الإعلام كسلاح رئيسي في الحملة الأمريكية على السودان: بين الهجوم والمواجهة_*
▪️من الواضح أن الحملة الأمريكية على السودان لم تكن لتبلغ هذا التأثير لولا اعتمادها على الإعلام بوصفه أداتها الرئيسية في اختراق الوعي الجماهيري، وتفكيك الجبهة الداخلية، وتوجيه دفة الرأي العام الداخلي والخارجي. فقد تحولت المنصات الإعلامية إلى غرفة عمليات حرب، تُخاض فيها معركة سردية متقنة تُبرِّئ المعتدي وتدين الضحية، وتُجمِّل التدخل الخارجي وتُشوِّه المقاومة الوطنية.
▪️أبرز ملامح هذه الحملة الإعلامية تمثلت في تصوير مليشيا الدعم السريع على أنها ضحية، وتقديمها كطرف مدني مضطهد، في مقابل شيطنة القوات المسلحة ووصمها بانتهاكات ملفقة أو مضخمة. كما روَّجت هذه المنصات لمبادرات سلام أمريكية الطابع، تتجاهل الوقائع الميدانية، وتفرض رؤية منحازة تُقصي الصوت الوطني الحقيقي.
▪️في مواجهة هذا المشهد، يمكن القول إن الإعلام الوطني – الرسمي والمستقل – لم يُفعّل طاقته الكاملة في خوض المعركة، لأسباب منها ضعف التنسيق، وغياب الرؤية الموحدة، وافتقار بعض الوسائل إلى أدوات مهنية وتقنية متطورة، فضلًا عن نقص التدريب في التعامل مع الحروب الإعلامية المركبة. لكن الأهم من ذلك هو غياب العقل الاستراتيجي الذي يوحّد الخطاب ويوجّه الرسالة.
*_المطلوب اليوم أن يتحول الإعلام الوطني إلى محور مركزي في استراتيجية المواجهة، عبر_ :*
▪️تشكيل غرفة عمليات إعلامية عليا تُدار بتنسيق بين الجهات الأمنية والسياسية والمهنية، وإطلاق منصات متعددة اللغات ترد على الأكاذيب وتكشف ارتباطات خصوم الدولة، ومن المهم إعداد وتدريب الإعلاميين على أدوات الحرب النفسية والإعلامية، خاصة الاعلاميين الشباب ، مع تحفيز الإعلاميين السودانيين في الخارج لتكوين شبكات ضغط ومنصات مضادة. والعمل علي توظيف الإعلام في تأكيد مشروعية الموقف الوطني، وفضح المشروع المعادي بأدواته ورموزه.
*_خلاصـــة القـــول ومنتهـــاه_* :
▪️ما يجري اليوم ليس مجرد حملة إعلامية أو موقف سياسي عابر، بل هو فصل من فصول الحرب المركبة على السودان، تسعى فيه الولايات المتحدة – عبر أدوات محلية وخارجية – لإعادة تشكيل السودان على هواها، وإقصاء أي مشروع وطني مستقل.
▪️إن أدوات الحرب الناعمة لا تقل خطورة عن القنابل والصواريخ، لأنها تستهدف الوعي والعزيمة، وتُسهم في تقويض الجبهة الداخلية. ولذلك، فإن المواجهة لا بد أن تكون شاملة، تبدأ من كشف العملاء، مرورًا بتحصين الرأي العام، وانتهاءً ببناء إعلام وطني قادر على خوض معركة المصير.
▪️إن أي تراخٍ في هذا الملف يعني ترك الساحة خالية للخصوم، وهو ما يجب أن تتنبه له الدولة والقوى الوطنية، فالسيادة لا تُحمى بالصمت، والمواقف لا تُصاغ بالتمني، بل بخوض المواجهة بكل أدواتها، وعلى رأسها الكلمة والموقف.