عمار العركي: السعودية والسودان، منبر جدة بين دعم الاستقرار وانتهاك السيادة
متابعات -تسامح نيوز

عمار العركي: السعودية والسودان، منبر جدة بين دعم الاستقرار وانتهاك السيادة
خبر وتحليل | عمار العركي
عطفًا على المقال السابق* الذي ناقش المصالح الأميركية–السعودية في السودان، وخاصةً سعيهما إلى إطالة أمد الحرب، لا سيما في شرق السودان، يتضح يوماً بعد آخر أن هذا المحور يدير صراعه في السودان بصمت مريب تجاه العدوان الإماراتي، وبنشاط دبلوماسي موجه يخدم هدفًا جوهريًا: إنهاك الحكومة السودانية، ودفعها مكرهةً إلى منبر جدة دون شروط، أو دون انتصار.
▪️ *وفي هذا السياق* ، برز خلال الفترة الماضية تكثيفٌ ملحوظ في تحركات السفير السعودي في الخرطوم، والتي باتت تتجاوز الأعراف الدبلوماسية، وتلامس خطوط السيادة الوطنية بصورة لم تعد قابلة للتأويل أو التجاهل.
▪️ *فقد اعتاد السفير السعودي* على عقد لقاءات واتصالات مباشرة مع قوى محلية وإقليمية دون تنسيق مع الحكومة السودانية، في انتهاك واضح للقوانين التي تحكم العمل الدبلوماسي.
آخر هذه التحركات تمثل في استقبال السفير السعودي ، لرئيس الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة، الأمين داوود، بمقر السفارة في . وقد تناول اللقاء – بحسب البيان الرسمي – “رؤية شاملة لتنمية شرق السودان” و”المراحل الاستراتيجية لتنفيذها”، في تجاوز صارخ لمسؤوليات الدولة السودانية، ولمؤسساتها الشرعية، وكأن السفارة باتت منصة موازية لصياغة السياسات التنموية والإقليمية بعيدًا عن الدولة.
▪️ *والسؤال الذي يفرض نفسه هنا :* هل تتسق هذه التحركات المكثفة للسفير السعودي في الأوساط المحلية، ومحاولاته الواضحة لتشكيل مشهد سياسي واجتماعي موازٍ، مع الموقف المُفترض للمملكة كداعم لعدالة قضية السودان في وجه العدوان الإماراتي؟
▪️ *هل.هذا النشاط الميداني ينسجم* – عمليًا – مع صمت الرياض تجاه الانتهاكات الإماراتية، بل ويتكامل معها في الضغط غير المباشر على الحكومة السودانية لإرغامها على قبول منبر جدة كأمر واقع، لا كخيار تفاوضي متكافئ؟
▪️ *اللافت أن اللقاء جاء تحت لافتة “الدبلوماسية الشعبية”،* وهو مفهوم بات يُستخدم لتبرير تدخلات مباشرة في الشأن الداخلي، ولتمرير أجندات إقليمية لا تخفى خلف شعارات دعم الاستقرار. فالحديث عن التنمية في شرق السودان لا يمكن أن يكون بمعزل عن السلطة المركزية، إلا إذا كانت هناك نوايا لتكريس واقع إداري أو سياسي خاص بهذا الإقليم، في ظل توازنات ما بعد الحرب.
▪️ *هذه الخطوة تُعيد طرح السؤال.الذي يتفادى كثيرون الإجابة عليه:* هل تحولت سفارة المملكة في الخرطوم إلى أداة لإعادة توزيع القوى داخل السودان، وفق أجندة تتقاطع مع الرؤية الإماراتية – الأميركية، الهادفة إلى إضعاف المركز، وتعزيز نفوذ قوى محلية محددة؟
▪️ *إن اللقاءات من هذا النوع* – خارج الإطار الرسمي – لا تخدم الاستقرار، بل تُعمّق الانقسام، وتفتح الباب أمام المزيد من الاستقطاب، وهي سياسة لا يمكن أن تُقرأ إلا في ضوء التناغم مع مسار “التطويع الإقليمي” للسودان، وإعادة تشكيله كدولة رخوة تخضع لمعادلات الجوار لا لقرارات أبنائه.
*_خلاصــة القــول ومنتهــاه_ :*
▪️ *إن سلوك السفارة السعودية في السودان* ، وبهذا الشكل المتجاوز للدولة ومؤسساتها، لا يمكن فصله عن السياق الأوسع لتحالفات إقليمية تسعى لإعادة تشكيل المشهد السوداني بما يخدم مصالحها، لا مصالح السودان. فالدعم الحقيقي للاستقرار لا يكون عبر تجاهل العدوان، ولا عبر هندسة المسارات السياسية من خلف الستار، بل عبر احترام السيادة، والوقوف الصريح مع عدالة القضية السودانية ضد كل من يسعى لإضعافها وتمزيقها.