المقالات

عوض أحمد عمر: قبل إعلان حكومة إدريس، تصفير العداد.. ضرورات العبور ومخاطر التردد

متابعات -تسامح نيوز

عوض أحمد عمر: قبل إعلان حكومة إدريس، تصفير العداد.. ضرورات العبور ومخاطر التردد

عوض أحمد عمر

• ما يعيشه وطننا الغالي اليوم ليس أزمة عابرة، ولا خلافاً سياسياً تقليدياً، ولا حتى تدخلاً دولياً ناعماً، بل مفترق طرق حاسم بين بقاء الدولة أو انهيارها، والحفاظ الوطن أو ضياعه في وقت لا ينفع فيه الندم.

• الشعب السوداني الصابر بات أمام لحظة فارقة لا تحتمل الالتفاف، ولا تقبل أنصاف المواقف.. إنها لحظة الاصطفاف الصريح مع مشروع بقاء وبناء الدولة، أو الانزلاق في متاهة التسويات المشبوهة والانقسامات التي تورد الهلاك.

عوض أحمد عمر: قبل إعلان حكومة إدريس، تصفير العداد.. ضرورات العبور ومخاطر التردد

• الخنوع واللهث خلف التسويات المشبوهة ، أو التموضع في المنطقة الرمادية بين معركة الوطن “الكرامة ” ومطلوباتها واصطفاف المتواطئين سراً وعلناً ، فلم يعد مقبولًا… بل هو خيانة لدماء الشهداء وآلام الشعب وجراحات الوطن.

• مثّل وصول الدكتور كامل إدريس إلى بورتسودان لمباشرة مهامه رئيساً للوزراء لحظة مهمة، لا في مضمونها السياسي فحسب ، بل في رمزيتها الوطنية ..حيث كان مشهد تقبيله أرض الوطن عند وصوله دلالة صادقة على ارتباط وجداني وروحي بأرض السودان، وتعبيراً ملهماً عن انتماء لا لبس فيه.

• لكنها، رغم رمزيتها وسلامة مقصدها، لا تكفي وحدها. فالمعادلة الوطنية لا تعاد صياغتها بالأشخاص مهما عظمت كفاءاتهم، وسَلِمت نياتهم، بل برؤية شاملة، وإرادة سياسية منسجمة مع تطلعات الشعب، وحكومة تدرك حجم المسؤولية وتنهض بها.

عوض أحمد عمر: قبل إعلان حكومة إدريس، تصفير العداد.. ضرورات العبور ومخاطر التردد
تسامح نيوز-موقع اخباري سوداني

• إن الحديث عن “تفويض كامل” لرئيس الوزراء يجب أن يُفهم ضمن مرجعيات واضحة، تضبط الصلاحيات، وتؤطّر العلاقة بين المؤسسات، وتؤكد خضوع الحكومة للمراقبة والمساءلة والمحاسبة.

• فمجلس السيادة الذي امتلك حق الاختيار والتفضيل والتعيين ،وقدم د كامل دون غيره… يمتلك كذلك حق المراقبة اللازمة والتقييم، والاقالة أن اقتضى الحال..وقبل ذلك المشاركة في وضع معايير دقيقة وواضحة، معلنة وشفافة لاختيار الوزراء .

• فالتفويض ليس صك غفران، ولا ذريعة للتنصل من المسؤولية، بل أداة للتنظيم والتكامل المؤسسي. وإن تحوّل إلى وسيلة للاستهلاك السياسي أو ذريعة للابتعاد عن المساءلة ، فقد معناه وتحول إلى عبء إضافي، والشعب وحده هو من يدفع الثمن.

• البلاد تنزف.. ولا تملك ترف الوقت أو رفاهية التجريب. والتمرد المدعوم خارجيا لا يواجهه الجيش وحده، بل الدولة كلها. وهذا ما يجب أن يستوعبه رئيس الوزراء ابتداءا ، وأن يبني عليه خطواته القادمة بوضوح.. وعين مليانة وواثقة لا تكسرها رهبة أو وعود الخارج.

• عليه أن يسارع الخطى ، ويبدأ بتشكيل حكومته وفق معايير صارمة واضحة متفق عليها ..لا مكان فيها للمجاملات أو المحاصصات أو تدوير الفشل.

• المطلوب أن يمارس صلاحياته كرئيس وزراء باستقلالية كاملة، وأن يختار طاقمه دون إملاءات أو توازنات مفروضة تحت أي عنوان ..وأن تكون المعايير المتفق عليها واحدة وواضحة .. فهذه لحظة فارقة ، لا لحظة إرضاء للأشخاص أيا كان موقع الشخص أو التنظيمات وتحت أي لافتة.

• الكفاءة المهنية، والنزاهة، والانضباط المؤسسي، والانتماء غير المنقوص، واستيعاب ضرورات المرحلة، والاستعداد النفسي والعقلي، والتعافي من كل شبهة انتماء أو ودّ على حساب الوطن للخارج… يجب أن لا تسقط من معايير الاختيار.

• بلادنا لا تحتاج رموزا للاستعراض السياسي،وتحسين السيرة بل عقولاً للتخطيط والعمل، وضميراً حياً يستشعر المسؤولية.

• الوزراء القادمون يجب أن يكونوا أبناء هذه المرحلة بحقها ومستحقها، لا مكان فيها للمصطفين مع المتمردين ولا للمتفرجين أو المراقبين الصامتين أو أصحاب المواقف “بين بين”.

• الوطن طولاً وعرضاً يخوض معركة وطنية مفتوحة، تتطلب وزراء مؤمنون بأن الشعب قادر على الصبر وتحمل تبعات معركة الكرامة بعزّة وشرف لسنوات ، ولكنه لن يتعايش مع أعداء الوطن للحظة واحدة.

• نعم وزراء ليس بينهم أحد من أصحاب المواقف المزدوجة أو الولاءات الرمادية. لا مكان لوزير “صاحب بالين”، حتى وإن تجاوزت كفاءته الآفاق. فالكفاءة بلا مسؤولية بلا انتماء بلا ضمير لا وزن لها، ولا جدوى من حديث عن “خبرات دولية” إذا لم تُقرن بالتزام مؤسس بقضايا الوطن .

• حتى رئيس الوزراء وله كامل التقدير والاحترام إن اكتشف الشعب يوماً أنه يحمل نصف انتماء أو مواقف رمادية، فلن يُقبل منه شيء. لقد سئم الشعب أنصاف الحلول وأنصاف الساسة وأنصاف المواقف، ويريد قيادة كاملة الانتماء.

• المؤكد أن الحكومة ليست معنية وحدها بتحمل المسؤولية بل كافة القوى السياسية، والإعلام، والمجتمع بمنظماته المختلفة، جميعهم مسؤولون عن تهيئة المناخ العام بمواقف وصوت مسؤول، وتعبير سياسي متزن، يرفع منسوب الثقة الشعبية، ويُخفف من حدة الاستقطاب والانقسام، ويستوعب ضرورات المرحلة وتحدياتها.

• تعيين رئيس للوزراء لا يكفي وحده لتجاوز الأزمة، فنجاح الرجل —مهما بلغت كفاءته— رهين بتهيئة المناخ السياسي والمؤسسي الذي يتيح له العمل بحرية ..بلا ضغوط أو مكبلات .

• إن قبول الدكتور إدريس بتحمل هذه المسؤولية في ظرف بالغ التعقيد خطوة تُحسب له، لكنها تظل خطوة أولى في طريق طويل لا بد أن تُعبّده رؤية وطنية شاملة تتجاوز الشخصيات إلى البناء المؤسسي الحقيقي.

• وأول مطلوبات هذه الرؤية أن يكون هناك انسجام مؤسسي واضح بين مجلس السيادة ومجلس الوزراء، لا لبس فيه ولا تداخل في الصلاحيات، بل احترام متبادل ومرجعيات حاكمة تضبط العلاقة وتمنع التضارب، وتكفل التكامل لا التنازع، والتنسيق لا التنافر.

• ولا بد من تصفير العداد تماماً، بمعنى أن تبدأ المرحلة بلا إرث مُلزِم أو أشخاص مفروضين، بل باختيار حرّ يخضع لمعايير الكفاءة والنزاهة والاستعداد النفسي والمهني لخدمة البلاد..

• كما أن المرحلة الجديدة تفرض على حركات الكفاح المسلح أن تتعامل مع الواقع بقدر عالٍ من المسؤولية، فتقبل بالخروج أو التنازل عن مواقعها في الحكومة المركزية ، حتى تتاح الفرصة كاملة لرئيس الوزراء بالتحرك بحرية في تشكيل حكومته، دون اشتراطات أو نسب محفوظة.

• فالوطن في حالة استنفار عام لم يعد يحتكر بتمثيل ضيق أو حصص ثابتة. وإن تم الالتفات لمطالب التمثيل الولائي ، فذلك لا ينبغي أن يأتي على حساب الكفاءة ، لأن المطلوب الآن حكومة تُنجز لا حكومة تُرضي.

• آخر الكلم

• ليغلق باب التردد، ولتسقط أقنعة أنصاف المواقف. وليقف الجميع الآن أمام لحظة الحقيقة اللحظة التي لا تحتمل المجاملة أو التراخي.

• الشعب السوداني لا ينتظر معجزات من الدكتور كامل إدريس ، بل حكومة تعمل، وتنجز، وتنهض بالوطن بالرغم من صعوبة الحال.

• آن الأوان لقيادة تليق بصبر وعزة هذا الشعب وتضحياته. قيادة تبني ولا تساوم، تواجه ولا تتهرب، تنتمي ولا تراوغ.

• هذه هي لحظة العبور الحقيقية، فإما أن يعبر الجميع بالوطن أو يتركوا للتاريخ أن يكتب غياب الإرادة والفعل الموجب في ساعة الحسم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى