غريب الرنتاوي يكتب..المملكة وحزب الله…سياقات التصعيد، آفاقه وسرديّاته

الخرطوم : تسامح نيوز
التصعيد المتبادل بين المملكة العربية السعودية وحزب الله، بلغ الأسبوع ذروة غير مسبوقة، دخل على خطها العاهل السعودي شخصياً، ليرد عليه الأمين العام للحزب في خطاب كُرّسَ في معظمه، للرد على الملك والمملكة…أما جوهر “الحرب الإعلامية المتبادلة” فَتَمَثَل في تبادل تهم الإرهاب…المملكة تصنف منذ سنوات طوال، الحزب إرهابياً، والحزب يتهم المملكة بتصدر “الوهابية” و”الجهادية” و”الإرهاب”، والشروع في حروب تعتمد هذه الأدوات.
ومع أن الرياض لم تستثن طهران ودمشق، من حملاتها الإعلامية التي انصب تركيزها على حزب الله، إلا أن ردود أفعال العاصمتين، جاءت أكثر هدوءً بكثير، من ردة فعل “الضاحية الجنوبية”، الأولى رأت في انتقادات المملكة لها بأنها تجافي الصواب وحسن الجوار، فيما الثانية، ترفعت عن الرد على “موظفين” في إشارة إلى مندوب المملكة في الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، أما أمين عام الحزب فقد استهدف بخطابه الملك شخصياً، وهذا أمر غير مسبوق.
لماذا الآن، وهذا الحد؟
التراشق الإعلامي بين الرياض وحزب الله ليس جديداً كل الجدة، ويعود إلى أزيد من عقدين من الزمان، بيد أن بلوغه ذروة غير مسبوقة، إنما يُعد بنظر المراقبين، ومن بينهم كاتب هذه السطور، “رجع صدىً” للتأزم الحاصل في اليمن، واحتدام حدة المعارك في مأرب وحولها، وهي التي باتت توصف في أدبيات الحرب اليمنية بـ”أم المعارك”.
وفي المعلومات، أن أنصار الله الحوثيين، مدعومين من حزب الله، وبنصيحته، قرروا استرداد آخر معاقل “الشرعية” وأقوى معاقل “الإصلاح – الإخوان” في الشمال: مأرب، مهما كلف الأمر وتعاظم الثمن…الرياض في المقابل، قررت ألا تجعل مهمة الحوثي في مأرب سهلة، وأن تمنع سقوط المحافظة الاستراتيجية والغنية بالنفط، مهما كلف الثمن.
ميدانياً، لم تسجل حرب السنوات السبع العجاف في اليمن وعليه، هذه الكثافة في النيران السعودية، عشرات الطائرات الحربية تقذف حممها يومياً، فوق أرض المعارك وفي العمق الحوثي…حركة تنقلات وتحشيد للقوات الموالية للتحالف، تجري على مسارين: تركيز على مأرب وتشتيت قوات الحوثي بفتح جبهات عدة، الاستعانة بألوية موالية للإمارات وسلفية: العمالقة والنخبة الشبوانية، برغم تحفظات “الشرعية” وغالباً على حسابها…المهم ألا تسقط مأرب، وبعد ذلك لكل حادث حديث.
ميدانياً أيضاً، ومنذ فبراير الفائت، لم تتوقف هجمات الحوثي المتعاقبة على المحافظة، موجة تلو أخرى، تمكن أنصار الله من السيطرة على معظم مديريات المحافظة، لم يبق سوى مأرب المدينة وصافر المجاورة، التي تحتضن في جوفها أكبر خزانات النفط اليمني…لكن المدنية المشهورة بسدّها التاريخي، تتحول موجة إثر أخرى، إلى مقبرة للحوثي، والحوثيون كما يقول خصومهم وأنصارهم على حد سواء، باتوا يقارفون لعبة “انتحار جماعي” على أسوار المدينة، وبرغم كل الوعود والتوقيتات التي حددتها قيادتهم لبسط سيطرتها على بقية المحافظة، فمهمتهم لم تنجز بعد، بل وتصبح أكثر صعوبة وكلفة، سيما بعد فتح جبهات جديدة في شبوة.
عند هذه النقطة، سعت الرياض، عبر قناتها البغدادية الخلفية مع طهران، إلى توظيف ما لإيران من “دالّة” على الحوثي، لحثه على الجنوح لخيار التهدئة ووقف النار…لكن طهران ستمتنع عن فعل ذلك، وتترك أمر الوساطة لحزب الله، وهو ما رفضته المملكة وترفّعت عنه، فجاء ردّها بتأخير الموافقة على السماح لسفير إيران المريض (البعض يُقال الجريح) في صنعاء بمغادرتها، وعندما صدرت موافقها، لم يكن قد تبقى له من عمر سوى سويعات.