
الخرطوم _ تسامح نيوز
جاء في اخبار الأسبوع المنصرم أن رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان بدأ مشاورات مع القوى السياسية المساندة للقوات المسلحة، لتشكيل الحكومة الجديدة التي ظلت مطلباً شعبياً منذ اندلاع الحرب نظراً لضعف وهزال حكومة عثمان حسين، وبقايا قحت وفلولها المهزومين، وبدأ للمراقب ورجل الشارع أن الوزراء وولاة الولايات، باستثناء بعض الأسماء، مجرد موظفين.
بعضهم أكل مع حمدوك وشرب مع عمر البشير وشبع من موائد البرهان، التي لايراقب المسؤلين فيها جهاز تشريعي أو مراجع عام !! مما جعل الفساد يستشري في جسد الدولة الهزيل، الشي الذي فرض على البرهان اخيراً البحث عن مخرج لضعف الدولة الحالي بالاصغاء للناصحين غير أصحاب الأغراض،
بتشكيل حكومة تتولى المسؤلية في إدارة دولة تحارب في جبهات عديدة، ومحاربة من دول بعدد الحصى، وقبل تشكيل مجلس الوزراء يفرض الواقع، على مجلس السيادة اختيار رئيس مجلس وزراء بكامل الصلاحيات وشخصية تفرض رؤيتها ولها برنامج لإدارة الدولة وليس شخصية باهته وضعيفة مثل عثمان حسين، .
والفريق البرهان أمام واقع لايمكن تجاوزه فمن حيث مواصفات رئيس الوزراء القادم لابد من شخص يقف مع القوات المسلحة بقلبه وعقله، وعلى قدر من الاستقامة السلوكية والهيبة وكارزما تجعله قادرا على إدارة الدولة في ظروف شديدة التعقيد واقتصاد على حافة الانهيار، وبالتالي الظروف المحيطة بمجمل المشهد السياسي غير طبيعية.
منذ مدة طويلة طرحت أسماء عديدة مرشحة لتولي منصب رئيس الوزراء، وأولهم البروفيسور محمد الأمين المدير الأسبق لجامعة النيلين وهو اكاديمي بلا تجربة تنفيذية، ولا خبرة في إدارة الاقتصاد، فقط تدعم سيرته اعتبارات قبلية وجهوية شرق السودان الذي لايزال يبحث عن نفسه في الدولة السودانية،.
ولكن من الظلم بمكان وعدم التقدير لجهد الرجال أن لايجد الزعيم الشرقاوي ترك نفسه في قمة هرم الدولة السودانية عضوا بمجلس السيادة الذي يستحقه ترك بخدمة (الضراع) وعرق الجبين. وترك له نصيبٌ في اسقاط حكومة قحت، وغروب شمس حمدوك، وهو أول من وقف مع الجيش ودعم البرهان، وشد من أزره في كل معاركه، فكيف يتجاوزه التعيين ويذهب للبرفسير محمد الأمين؟ الذي يمثل أهل البارده، بينما ترك من أهل الحارة.
قد يذهب البعض إلى أن الشرق يستحق منصب رئيس الوزراء وعضوية المجلس السيادي في ذات الوقت، نعم في الظروف الطبيعية يمكن للشرق ان يجمع أكثر من ذلك، ولكن البلاد الآن في ظروف استثنائية تتطلب توزيع السلطة بعدالة أولاً، ثم اختيار أهل الولاء للجيش والوطن مع الكفاءة، ولذلك يعتبر تعين الناظر ترك في المجلس السيادي أقل مايمكن تقديمه لأهل شرق السودان وقومية البجه، .
وفي ذات الوقت يقتضي الوفاء وتقدير جهود الرجال والحساب السياسي أن يُعين من أهل كردفان الكبري الزعيم أحمد الصالح صلوحه عضواً بالمجلس السيادي، والواقع يقول إن الزعيم صلوحه يستحق الترفيع عضواً بالمجلس السيادي وقطع ألسن المتمردين، وقد ظهر الرجل اليوم بجلباب وطني ناصع البياض، وصوت قومي جهير، .
لا إنحياز له إلا لبيت السودان الكبير، ولم تجذبه لعاعة الدنيا وإغراءات حميدتي مثلما فعلت بأمين الحركة الإسلامية بغرب كردفان إبراهيم بابكر الذي إنحاز الي صف التمرد فدخول الفوله مع المجرمين !! والقتلة وعتاة الحرامية والنهابين، وبفضل مواقف صلوحه الصلبة انقلبت الساحة السياسية، وخرج العديد من القيادات من الوضع الصامت والموالي للتمرد لدعم القوات المسلحة، .
وصلوحة هو من شجع الرزيقات على خطوة زيارة بورتسودان وإعلان الموقف الذي اقلق مضاجع المليشيا، وصلوحة هو من قاد المسيرية لتقف مع الدولة وهو من حرض الحوازمة عبر التنسيقية التي يقودها عمر سومي لتجريد الدعم السريع من أبناء الحوازمة.
فماذا تريد الدولة غير الرجال أصحاب المواقف؟ ومجلس يزبنه ترك ومالك عقار وصلوحة لهو مجلسٌ جديرٌ بالإحترام، ويمثل السودان. وليت البرهان مثل الشمال بمحمد سيد أحمد الجكومي وهو رجل مواقف ومبادئ وشجاع في طرح رؤيته والدفاع عن الجيش.
من واقع السودان الراهن وتعقيدات ألمشهد السياسي فإن خيار رئيس وزراء قادر على إنقاذ البلاد من واقعها الحالي لايبدو بعيدا عن وزير المالية الحالي دجبريل إبراهيم وذلك لعدت أسباب:
أولا يعتبر جبريل كفاءة سياسية ورجل دولة من طراز رفيع.
ثانيا تسعفه تجربة لاتتوفر لغيره من الأسماء التي يجري تداولها في الساحة من البرفيسر محمد الأمين إلى الدكتور الخبير الأممي كامل إدريس الذي هو بلا تجربة سياسية ولا خبرة تنفيذية ولا ثقل سياسي ولااعتقد أن عاقلا يمكنه إعادة استنساخ تجربة حمدوك مرة أخرى والمغامرة برجل ثمانيني لمنصب يتطلب الحيوية والنشاط والخبرة التنفيذية .
اكرر سر النجاح الخبرة التنفيذية ..والحماس، وتسنده تجربة سياسية واجتماعية، كل ذلك يفتقر إليه الرجل الدبلوماسي كامل إدريس.
ثالثا منصب رئيس الوزراء في دولة مثل السودان ليس منصباً تشريفياً، ولكن منصباً يحتاج لرجل قادر على الحركة الدؤوبة والسهر والقهر والتعب والاكل الكعب، كل ذلك متوفر في شخصية جبريل إبراهيم، الذي صقلته التجربة كوزير ماليه وعركته غمار الحروب مقاتلاً الدولة، ومقاتلاً في صفوف الدولة.
ويعود الفضل لجبريل في تأسيس دواوين الحكومة الحالية من الصفر في بورتسودان، وحتى لحظة خروج البرهان من القيادة العامة، كان جبريل لوحده يؤسس لحكومة الأمر الواقع ولن نغفل بالطبع الجندي المجهول وقلب مجلس السيادة النابض الفريق محمد الغالي الذي ساهم مع جبريل في عودة الحكومة للوجود.
اما مواقفه السياسية فإن الرجل هو من قاد الحركات المسلحة من موقف الحياد السلبي إلى موقف الدفاع عن الدول والشرعية والوطن والوجود وكان لجبريل إبراهيم ومستشار الحركة بشارة سليمان الفضل الكبير في إقناع قادة الحركات بإسند الجيش، وتجاوز مرارات الأمس والقتال إلى صفه، وجبريل يردد بيت الشعر الذي نطق به الصادق المهدي بعد المصالحة الوطنية مع نظام جعفر نميري:
إذا احتربت يوما وسألت دماؤها ..
تذكرت القربى وفاضت دموعها ..
تجاوز جبريل إبراهيم بسماحة أهل الغرب دماء أخيه خليل، ومشى على جرح الألم، ووقف مع الجيش وحارب برجاله في الفاشر، ودخلت قوات العدل والمساواة مع الجيش الإذاعة والتلفزيون في رابعة النهار الاغر،
والان تحارب قوات الكفاح المسلح في وادي الزرق ودونكي البعاشيم ومهاجريه وقوز زريقه ووادي هور، فمن يملك رجالاً و صيداً وسيرةً مثله بين المرشحين أفضل من د. جبريل إبراهيم، ومن عاداه القحاته والمليشيا مثل جبريل؟ الذي يستحق بتجربته وحصاد زرعه منصب رئيس الوزراء.
إذا كان خيار دجبريل لمنصب رئيس الوزراء تقتضيه الاعتبارات التي جاءت في صدر المقال، فإن نجاح الرجل في كبح تدحرج الدولة إلى الهاوية يتطلب أولاً إطلاق يده لاختيار الكفاءات المستقلة، لإصلاح ماافسدته الحرب وهو أعلم بأداء الوزراء الحاليين أكثر من غيره بحكم موضعه كوزير مالية لفترة ليست بالقصيرة.
وفي الوقت نفسه إلغاء احتكارية الضباط الإداريين والضباط المتقاعدين من الجيش لمناصب الولاة وإذا كان أحمد عثمان حمزه قد نجح في ولاية الخرطوم وكذلك والي النيل الأبيض فإن بقية الولاة أكثرهم فاشلين، والنجاح والفشل لايرتبط بالخلفية المهنية بقدرما يرتبط بحسن الأداء، واتساع الخيال، وقيم الشجاعة والنزاهة..
هناك محافظين وولاة وحكام أقاليم من تخصصات مختلفة حققوا نجاحات كبيرة مثل محمود حسيب ومهدي مصطفى الهادي والفاتح بشارة في سنوات مايو وأحمد هارون والمتعافي وايلا في سنوات الإنقاذ فهل هؤلاء ضباط إداريين؟
من حق أي سوداني كفء تولى منصب الوالي أو الحاكم ولا ينبغي جعل الولايات حاكورة للضباط الإداريين وحدهم، بزعم انهم مستقلين عن الأهواء السياسية، .
وتلك اكذوبة كبيرة أغلب الولاة اليوم من صنع قحت وكانوا أدوات استخدامهم حمدوك، ولذلك إطلاق يد رئيس الوزراء القادم في اختيار وترشيح حكومته ووضعها أمام مجلس السيادة والتشاور والحوار بشأنها ضرورة إذا كنا نريد حقا تشكيل حكومة فاعلة وراشدة.
نشطت حركة تنسيقيات القبائل بديلا عن الإدارة الأهلية التي تماهت واقسمت على الوقوف مع مليشا ال دقلو وفاءا لقسم الولاء الذي أداه هؤلاء القادة العشائريين أمام ولي نعمتهم مما جعل كثيرا من تلك القبائل ترفض الانسياق وراء الإدارة الأهلية وهي خطوة تأتي بها خطوات حين تحقيق النصر النهائي على المليشيا.
واستثناءً كان أمير عموم حمر عبدالقادر منعم منصور، قد تصدى بنفسه لحشد الدعم والسند للجيش، وجمع الأسبوع الماضي قادة المجاهدين وأهل الدار في النهود وأرغم الجميع على أداء القسم للواء للجيش بما في ذلك ضباط الجيش !!
وجاءت تنسيقية الرزيقات والبنى هلبه وقالت كملتها، وتم اختيار تنسيقية الحوازمة من ثلاثة قيادات عمر سومي والدكتور سعيد حبيب الله والمجاهد السعودي قادم، وكلاهما من الرجال أصحاب المواقف الداعمة للجيش منذ اندلاع الحرب، فلم يخونوا أو يتلجلجوا في سند الجيش.
بل ظلت آقلامهم وسيوفهم تنافح عن القوات المسلحة، وبطبيعة الحال كما يقول المثل العامي( صاحب الزاملة أولى بركوب قدام) فمن أحق من عمر سومي ود سعيد حبيب الله بقيادة تنسيقية الحوازمة في هذا الوقت، ومن أكثر منهم تضحيةً في دعم القوات المسلحة؟؟ .
وبدأ الحديث عن كيفية اختيارهم كالذي يجدف في الهواء، خاصة من قبل أصحاب الولاء المزدوج ومن ياكلون حتى اليوم من مائدة حميدتي ولايمسحون أفواههم، وأغلبهم من الفارين من البلاد إلى دول الجوار بحثاً عن خلاص ذواتهم، واليوم يريدون إعادة الماضي، وركوب كل قطارات الدنيا، ويريدون أن يحمدوا بما لم يفعلوا.
معركة سنار الأولى انتهت بهزيمة المليشيا، ومعركة سنار الثانية كشفت ظهر القحاته، ومعركة سنار الثالثة ستقضي على ماتبقى من تحالف الأشرار.